إعلانات

الطريق إلى تيشيت..

جمعة, 20/01/2023 - 15:33

 

تيشيت - و م أ

 

– صحونا باكرا بعد نوم عميق في ضيافة أحد البيوت العامرة بالكرم في منطقة “لحويطات” في ضواحي تجكجة.

أهل البيت أخلوه لنا رغم زمهرير الشتاء وباتوا في خباء بالعراء، بعد أن بذلوا في قِرانا جهدا فوق الطاقة والمُستطاع.

كانت ضيافة حاتمية أصيلة.

مررنا بسوق المدينة في الصباح الباكر لنتزود ببعض المؤونة قبل الرحيل إلى تيشيت.

وجهنا وجوهنا شطر مدينة تيشيت في غداة شاتية ظليلة، حيث استرخاء الصباح المتزامن مع قوافل النسيم الرطب التي تنفذ إلينا من نوافذ السيارة رباعية الدفع، فتداعبنا بلطف ونحن نرسل أبصارنا في مجابات تجكجة الفسيحة ومرتفعاتها العظيمة ومفازاتها العملاقة ونخلها الفارعات في سموق وكبرياء ضاربيْن في الزمن.

أخذنا نمخر عباب الرمال على الطريق الرملية المتعرجة الوعرة.

نصعد طورا ونهوي أطوارا، فتتمايل الأجزاء العلوية من أجسامنا كلما اضطربت السيارة فوق رَبوة أو مطبة أو نتوء مفاجئ.

لما تعالى النهار كان سطوع الشمس دون حرارة، وكانت برودة الهواء دون ظل، فكأنهما اجتمعا ليعلنا تحالفا أو هدنة خلال رحلتنا إلى حين.

رَسمتْ التضاريس المتنوعة لوحة بديعة من الأشجار والصخور والرمال والعشب الممتد بعد فصل خريف مطير.

بعض النباتات انقذتها طلائع الشتاء الأولى فاخضرَّت وابتهجت بعد أن كادت تيبس وتضمحل.

في بعض المهامه يستوي الصعيد لدرجة أن الناظر إذا أدار بصره يرى إحكام قُرص السماء قبضته على الأرض بشكل دقيق وبديع.

كانت الطريق في أول الأمر بلاقع موحشة لا حركة فيها ولا حياة، إنما هدوء تام وصمت مطبق، فلا طيور ولا بهائم ولا زواحف ولا إنسان.

وفي جزء لاحق من الطريق دبت الحياة في كل الأرجاء، وظهرت قطعان من الإبل والبقر والغنم ترعى بهناء وفير.

لخشب

لم نزل نسير رويدا رويدا حتى نزلنا قرية “لخشب” الماكثة في مُستقرِّ ذي غوْر.

القرية تناثرت بيوتها في ذلك الغوْر الفسيح.

نصب ساكنوها خيامهم الرحبة وشرعوا أبوابها تلقاء طريق المسافرين.

كان رجالها يعترضون سبيل المسافرين فيستضيفونهم بلطف.

حللنا أهلا ونزلنا سهلا.

اللافتات معلقة عند مداخل الخيام:

” سكان بلدية لخشب يرحبون بفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني”.

“مناضلو حزب الإنصاف يرحبون برئيس الحزب والوفد المرافق له”.

“طريق تجكجة تيشيت حلم يراود كل سكان المقاطعة”.

ومع كل سانحة يجدد سكان تيشيت والقرى الأقرب إليها مطلبهم بطريق معبدة تنقذها من خطر الاندثار بعد أن صنفت من طرف اليونيسكو ضمن التراث الإنساني العالمي.

كانت الوفود تترى تباعا وتغادر تباعا وكانت مدينة لخشب نقطة استراحة لكل العابرين إلى تيشيت.

الوفود كانوا من جميع أنحاء البلاد ممن هم حريصون على حضور مهرجان مدائن التراث هذا العام، وقد نال كل وفد حظا وافرا من الضيافة والقِرى وأجمع كثير منهم على أن مدينة لخشب حريصة على هذه المكارم التليدة في الشعب الموريتاني الأصيل.

ودَّعنا مدينة لخشب وشرعنا ننهب الأرض وتنهبنا صعودا وهبوطا في تلك السبيل الغير مِطواعة.

الطريق أصبحت أشد خطورة وأكثر أغوارا كلما تجاوزنا إلى .

تيشيت.

كانت تصعد بنا مرتفعات وتهوي بنا إلى سهول شديدة الغوْر وفي كلي حالتيْها حفر وصخور تضطرب عندها سيارتنا أيما اضطراب. تيشيت

أرخى الليل سدوله وبسط الظلام سلطانه على الأرض ومازالت الحال على ما هي عليه هبوطا وصعودا وحفرا ومطبات.

وبعد الكثير من الصبر وطول الانتظار تراءت لنا أنوار تيشيت من بعيد.

نعم إنها تيشيت، حيث سنجعلكم في صورة هذا الحدث الوطني الأبرز، مهرجان مدائن التراث، النسخة الحادية عشر. ستكون الوكالة الموريتانية للأنباء معكم مواكبة لهذا الحدث الكبير، عبر موقعها وجريدتيها اليوميتين ومنصاتها على وسائل التواصل الإجتماعي.

ريبورتاج/ محمدن ولد إسلم