إعلانات

الأميرة زائدة.. الجدة المسلمة الأندلسية للعائلة المالكة البريطانية

اثنين, 12/09/2022 - 02:48

 

 

 

الأميرة زائدة أميرة مسلمة عاشت في أشبيلية في القرن الحادي عشر، لكن ما قد لا يعرفه الكثير من الناس هو أنها كانت إحدى أسلاف العائلة المالكة البريطانية. وصلت سلالة زائدة إلى الشواطئ الإنجليزية بعد ارتباطها بألفونسو السادس ملك ليون-كاستيل. ثم انحدرت من نسلهم إيزابيل بيريز أميرة قشتالة، التي أرسلت في القرن الرابع عشر إلى إنجلترا للزواج من إيرل كامبردج، ريتشارد كونسيرج. قاد ابنهما، ريتشارد، دوق يورك، تمردًا ضد الملك هنري السادس، وهو التمرّد الذي تطور لاحقاً إلى ما يعرف باسم "حروب الورود" التي استمرّت عقودا من الزمن، قبل أن يتولى إدوارد الابن الثاني لريتشارد العرش في عام 1461. وهكذا وجد إرث إسبانيا الإسلامية – المعروفة باسم الأندلس – طريقه إلى البلاط الملكي لسلالة بلانتاجانت الحاكمة في بريطانيا!

اكتسب هذا النسب أهمية متجدّدة في كل من المملكة المتحدة والشرق الأوسط مؤخرا، بعدما زُعِم أنه يثبت وجود علاقة نسب للملكة إليزابيث الثانية تعود الى أهل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وقد أشار خبراء ومعلقون محترمون في حينه مثل موقع "بورك بيراج" للأنساب والشيخ علي جمعة، المفتي الأكبر السابق لمصر، إلى أن الأميرة زائدة كانت من نسل الأمير المعتمد، حاكم إشبيلية وسليل ابنة الرسول فاطمة وزوجها علي.

لو كانت الملكة اليزابيث حقا من ذرية فاطمة وعلي وإحدى أفراد العائلة الهاشمية، فانه سيكون من أقربائها الى جانب ملوك الأردن شخصيات مثل مرشد الجمهورية الاسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، أو الآغا خان الرابع الأمير شاه كريم الحسيني، وهو صديق مقرب من العائلة المالكة الحاليةّ! لكن للأسف، فإن نظرية النسب الهاشمي للملكة تكاد أن تكون "أروع من أن تصدق". حيث تحيط علامات استفهام كثيرة بأصل الأميرة زائدة، وهي حلقة الوصل، تجعل من الصعب إثبات نسبها لمحمد وبالتالي "حقّها" في أي ملك على بلد إسلامي.

 

مع ذلك، هناك دروس قيمة يمكن تعلمها من نسب الملكة الأندلسي. فقصة "الزواج" بين زائدة والفونسو السادس لا تثير تساؤلات حول العرق والاثنية والانتماء الثقافي فحسب، بل تضيء بشكل دقيق أيضا على التلاقح بين الإسلام والغرب المسيحي.

لقد عرض عدد من الكتب والمقالات الحديثة الصلة بين "Las Tres Culturas" أو "الثقافات الثلاث" كما يشار إلى الأديان الإبراهيمية عادة في أسبانيا إما من خلال تصوّر إسبانيا على أنها أرض "التسامح"، أو ما يسمى بـ "convivencia" (التعايش)، أو كمسرح لحروب طاحنة بين الأديان. في الواقع، عاشت زائدة وألفونسو في عالم لم يفسح مجالاً كبيرا للتفكير في هذه المسائل الحديثة.

بداية، عاشت زائدة حياة رغيدة في بلاط بني عباد في إشبيلية من خلال زواجها من الأمير الفتح (أيضا المأمون) بن المعتمد. في حين أنه يعتقد عامة أن زائدة هي ابنة لأمير، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أنها على الأغلب من خارج الدائرة الداخلية للعائلة المالكة التي لم تدخلها إلا من خلال هذا الزواج.

بحلول عقد 1040 ميلادية، حل بنو عابد مكان حكّام قرطبة كأبرز سلاسة في عموم الأندلس. شكّل هذا التطور تحوّلا مهماً جدّاً، إذ كانت إسبانيا الإسلامية قبلها تحت حكم السلالة الأموية لثلاثة قرون. وتحت حكم المعتمد، عمّ الأميرة زائدة (أب زوجها)، شهدت إشبيلية عصرًا ذهبيًا في الثقافة والأدب فجذبت الشعراء من جميع انحاء العالم الاسلامي، ومن بينهم ابن حمديس الصقلي، وحتى المعتمد نفسه الذي كان أميرا شاعرا.

 

 الأميرة زائدة تقع في الأسر المسيحي

في 1091 ميلادية، تم غزو إشبيلية من قبل جيش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين، وتم نفي الأمير المعتمد إثرها إلى أغمات، بالقرب من مراكش في المغرب حيث توفي هناك بعدها بفترة قصيرة، راثيا خسارته في آخر قصائده قبل مماته.

ومع فرار زائدة من حصار المرابطين القاسي الذي قتل فيه زوجها المأمون، بدى مصيرها القاتم حتمياً. ففي خلال هروبها المستعجل بحثا عن مكان آمن شمال إشبيلية، أُسرت الأميرة ثم أرسلت الى بلاط قشتالة في توليدو (طليطلة)، حيث سوف تجبر على عيش حياة جديدة ومختلفة.

فلطالما كان زوجها المستقبلي، ألفونسو السادس، شوكة في خصر المعتمد، لا سيما بعد أيار/ مايو 1085، عندما سيطر حاكم قشتالة على مدينة طليطلة وانتزعها من يد السلالة المسلمة التي حكمتها. كان غزو ألفونسو السادس لطليطلة ضربة مؤلمة لملك الأندلس على إسبانيا، مما تسبب في حالة من الذعر بين أمراء الأندلس وعجّل في وصول المرابطين الى الضفة الشمالية من مضيق جبل طارق.

كان ألفونسو السادس يتطلع إلى أن يصبح الحاكم الوحيد لشبه الجزيرة الإيبيرية، بما في ذلك الأراضي الإسلامية. وفقا للمؤرخ التونسي من القرن الثالث عشر، ابن الكردبوس التوزري، بدأ الحاكم القشتالي المتعجرف في تصوير نفسه على أنه "إمبراطور الديانتين" أي الإسلام والمسيحية!

 

في هذا السياق، لم يكن قرار الترحيب بزائدة في البلاط القشتالي – بدلاً من إرسالها إلى المغرب لتنضم الى أقاربها في المنفى – والعلاقة الجنسية بين ألفونسو والأميرة المسلمة، لم يكن علامة على التسامح والتعايش، بقدر ما كان تأكيدا لقوة وجبروت ألفونسو.

اعتناق المسيحية

كانت مكانة زائدة في البلاط غير مفهومة بشكل جيد من قبل المعاصرين المسيحيين في إسبانيا مقارنة بما نعرفه اليوم. فبعض النصوص تشير إليها على أنها كانت خليلة أو عشيقة الحاكم الإسباني، ووفقا لبيلايو، أسقف أوفييدو الشهير، كانت "زائدة شبيهة بأن تكون زوجته". وإذا كان وجود الأميرة المسلمة في البلاط المسيحي موضوعًا حساسًا في حد ذاته، فإن قرار ألفونسو السادس بجعل زائدة زوجته الشرعية لا بدّ وأنه ترك الكثيرين في حيرة من أمرهم.

هنا، كانت ولادة سانشو، ابن ألفونسو السادس الوحيد، العامل الحاسم وراء كل ذلك. تحولت زائدة بعدها إلى المسيحية، واستخدمت اسم ايزابيل، الذي كنّيت به لاحقاً سليلتها الشهيرة إيزابيلا ملكة إسبانيا. قضت زائدة نحبها في غرفة نومها بعد أعوام، أي في نفس المكان الذي قادها لأن تصبح محظية الملك. فلقد ماتت الأميرة وهي تلد طفلاً آخرًا من الطفلين اللذين حملت بهما عن طريق ألفونسو السادس وهي قرينة الملك.

لقد تجاوز أسلاف الملكة إليزابيث الثانية الحدود الدينية والثقافية والسياسية المرسومة لهم بطرق يصعب تصنيفها وحتى فهمها الآن. وفي الوقت نفسه ، فإن قصة زواج زائدة من ألفونسو السادس تذكرنا بالتشابك الحميم والمعقد بشكل عميق بين ماضينا الإسلامي وماضينا الأوروبي.

____________________________________________________________

ترجمة: كريم طرابلسي

هذا التقرير مترجم عن The Conversation ولا يعبر بالضورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة