إعلانات

الذين ينغلقون على أنفسهم في أمور الزواج

ثلاثاء, 05/03/2024 - 02:14

 المرتضى محمد أشفاق

 

تعيش بعض نسائنا مرارة نزعة التعالي، ووهم النقاء العرقي، فيرفض ذووهن زواجهن ممن يزعمون أنه دونهن في النسب، أو المقام..

وبذلك يعشن محرومات من الزواج لأنهن بنات الأسر التي حولتها بعض الظروف الطارئة إلى طبقات فوقية..

فما الدافع وراء رفض المقبول دينا، ومروءة، وأخلاقا من الزواج من بعض النساء؟ هل في المرأة مقدس حرام على صنف معلوم من الرجال مهما حسنت أخلاقهم، وسرائرهم؟..

لو كانت عظمة الوالد وعلو مكانته حاجزا يمنع مَنْ دونَ منزلته من الزواج ببناته، ما تزوجت بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم...

تنتشر في بلادنا ظاهرة غريبة على الدين، وعلى أخلاق من وصلنا ذكرهم من السلف الحاذق، هي توهم النقاء العرقي لبعض الأسر، واحتكار التزاوج بين طبقة خاصة من أبناء العمومة بالمفهوم الضيق جدا...

وكأن بعض أفراد المجتمع الواحد خلق من ضئضئ النور، والآخر خلق من صلصال من حمإ مسنون..

طبقية عرقية جديدة تعضل النساء، وتزداد حدة وخطرا وتطرفا في عالم الطغيان المادي، مع ما يفترض من اتساع مساحة الوعي الديني لدى الجميع..

ومن المعلوم أن للاغتراب بالنطف بعض الفوائد لما يترتب عليه من التنوع في العلاقات، والتوسع في الأرحام، والتمدد لخريطة الأقارب، وفي ذلك من القوة والمنعة والمنفعة ما لا يخفى؛

وقد لوحظت المشاكل الصحية في أبناء الأقارب بانزياح الصفات السلبية المشتركة إليهم وراثيا...

لا يفهم من هذا دعوة إلى رفض زواج الأقارب مطلقا- فقد تزوجت سيدتنا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه- بل التنبيه إلى ضرر الإقصاء، والإسراف في التعالي المبتذل على الآخرين..

تزوج سيدنا زيد بن حارثة- وقد اشترته سيدتنا خديجة- تزوج من أمنا زينب بنت جحش بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وتزوج سيدنا بلال بن رباح وهو من الأرقاء السابقين من سيدتنا هالة بنت عوف من الصحابيات المهاجرات، وأخت سيدنا عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المهاجر الثري، المبشر بالجنة، وعضو مجلس الشورى الذي اقترحه سيدنا عمر بن الخطاب لاختيار خليفة للمسلمين..

ثم إن الذين ينغلقون على أنفسهم في أمور الزواج سيجدون أنفسهم بعد ثلاثة أجيال أو أربعة، مهددين بانحسار دائرة الأقارب، لأن القاعدة التي تقول إن الفرع يحوي الأصل وزيادة ستتوقف، فالعادة أن يكون للولد من الأقارب ما يزيد على أقارب أبيه، وهم أمه وأقاربها، وأن يكون له كذلك من الأقارب ما يفوق أقارب أمه، وهم أبوه وأقاربه، فإذا كان الأبوان وأبواهما، وأبوا أبويهما متلاصقين رحميا ماتت القاعدة، وتساووا جميعا في عدد الأقارب، وانحسرت الدائرة، فيكون ابن الأقارب من الجيل الرابع أو الخامس شبه غريب في قومه...

ومن آثار هذا الانطواء شيوع العنوسة في بنات ما يسمى الأسر النبيلة والثرية؛ فالرجال يهابونهن ليقينهم أنهم مردودون، ولا يخفى ما في ذلك من بيّن الضرر على المرأة؛ فيستطيع الأب الثري أن يمنح ابنته مدينة قصور، وجبال ذهب، وما بين واديين من نعم، لكنه لا يستطيع أن يمنحها الولد، وعندئذ يكون(كبْرْ خيمة الْبُو) المزعوم لعنةً اجتماعية تلاحق النساء وتخلق منهن أمة من العجائز الأبكار...

ثبت أن بعض علماء هذه الديار كان إذا أعجبه دين بعض طلبته، وخلقه عرض عليه الزواج بإحدى بناته، غير مكترث بلونه أو قبيله...

روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)..