إعلانات

الشارقة تغزل قوافي الشعر العربي في إفريقيا

ثلاثاء, 30/01/2024 - 03:41

 

محمد ولد محمد سالم

شهد شهرا مايو ويوليو الماضيان، تنظيم الدورة الثانية من ملتقيات الشعر العربي في عدد من الدول الإفريقية، وهو الملتقى الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة، بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، وقد انطلقت دورته الأولى في عام 2022 لتجوب تسع دول إفريقية، وتشهد مشاركات واسعة من شعراء تلك الدول، وصل مجموعها في تلك الدورة إلى 114، وكشفت تلك المشاركات والحضور في مختلف تلك الدول عن مدى اتساع وتغلغل الثقافة العربية، والشعر العربي، في البلدان الإفريقية المتاخمة لرقعة الوطن العربي، وتفاجأ القارئ العربي بهذا الكم الكبير من الشعراء، وأن الثقافة العربية راسخة هناك، وأنها رغم ذلك غير معروفة على المستوى العربي، والاهتمام بها لا يزال دون المستوى، رغم أن تاريخ الثقافة العربية هناك قديم، وجذورها ممتدة لعصور طويلة تعود إلى تاريخ ظهور الإسلام في تلك البلدان، وما صاحبه من علاقات بين العرب والأمم الإفريقية.

وصل الإسلام إلى تخوم إفريقيا جنوب الصحراء في نهاية القرن الأول، وتغلغل فيها في القرون اللاحقة، ولم نصل إلى القرن السابع الهجري حتى تكونت فيها ممالك إسلامية، مثل: مملكة غانه، ومملكة مالي، ومملكة سنغاي، ومملكة صكتو، ومملكة كانم، وقد رعت تلك الممالك الإسلام، وسعت إلى نشره في شعوبها، وجوارها، ورعت المدارس والمساجد وحلقات العلم، فقد كانت في مملكة غانه وحدها في حدود القرن الثامن الميلادي، اثنتا عشرة مدرسة، وكذلك استقدم ملوك هذه البلدان علماء من العرب والبربر، من منطقة شمال إفريقيا، ويذكر المؤرخون أن منسى موسى، ملك المملكة المالية، عندما عاد عام 1325 ميلادية من رحلة الحج الشهيرة التي قام بها، ووزع فيها الذهب في المشرق، عاد بمجموعة من العلماء العرب الذين بثوا العلم في أرجاء مملكته، كذلك كان ثمة اتصال المباشر بين هذه الممالك وبين مدن شمال إفريقيا العربية.

 

كل تلك التأثيرات جعلت الثقافة العربية الإسلامية تتغلغل في إفريقيا عبر عدة قرون، وتجد لها أرضية صلبة من المدارس القرآنية والعلمية، التي تبث العربية بين أبناء الأمم الإفريقية، فنشأ عن ذلك أن ظهر بعض شعراء أفارقة مستعربون، ويذكر المؤرخون أن أقدم ما حفظ من شعر الأفارقة بالعربية هو بيان لشاعر من مملكة كانم في تشاد، اسمه إبراهيم بن يعقوب، الملقب بالشاعر الأسود، الذي اتصل بالسلطان الموحدي يعقوب المنصور، في نهاية القرن الثاني عشر، ومدحه بقصيدة حفظ التاريخ منها بيتين جميلين:

أزال حجابَه عنّي، وعيْني

تراه من المهابة في حجاب

وقرّبني تفضّلُه ولكن

بعُدتُ مهابة عند اقترابي

ويورد الباحث الغيني الدكتور كبا عمران، في بحث بعنوان «الشعر العربي في الغرب الإفريقي» سرداً تاريخياً لعدد من الشعراء الذين ظهروا في بلدان إفريقية، ابتداء من القرن التاسع عشر، ويبدو أن تلك الفترة هي البداية الحقيقية لازدهار الثقافة العربية تلك البلدان حيث اتسعت مدارس التعليم الإسلامي التقليدي، وظهر الشعر التعليمي على شكل منظومات فقهية ولغوية، إلى جانب ظهور أشعار وجدانية، ومن شعراء تلك الفترة في نيجيريا عثمان محمد فودي، ت 1828، وعبدالله بن محمد فودي، ت 1838، والأمير محمد باللو بن عثمان، ت 1937، وفي السنغال المجاهد الحاج عمر تال الفوتي، ت 1864، والقاضي مجخت كل، ت 1902، ومن غينيا جرنو سعد دالين بن إبراهيم، ت 1853، وكرامو سنكن، ت1861، وفي غينيا بيساو الشاعر هارون الرشيد جلو، وفي غامبيا محمد الإمام سامبو غاسما، وفي غانا الحاج عمر كركي.

وفي شرق إفريقيا كان اتصال العرب المسلمين بالمنطقة منذ العهد الأموي، حيث أرسل الحجاج بن يوسف حملات إلى تلك البلاد، ونشأت علاقات تجارية بين المنطقة العربية (اليمن وعمان)، وبين سكان الساحل الشرقي من بروه (الصومال الحالية)، إلى موزمبيق، ونشروا فيها الإسلام، وسرعان ما أعجب العرب بالأرض الجديدة، فشهدت المنطقة هجرات عربية متتالية إليها، انطلاقاً من اليمن وعمان، وأسسوا على إثر ذلك مدناً على امتداد الساحل، مثل بروة في الصومال، ولامو وماليندي ومومباسا في كينيا، وزنجبار ومنفية في تنزانيا، وامتزج الوافدون الجدد بالسكان المحليين، فأوجدوا اللغة السواحيلة التي هي مزيج من العربية واللهجة المحلية، وانتشرت الثقافة العربية ومدارس ومراكز تعليم القرآن والشريعة واللغة العربية.

دعم

كان لمبادرات صاحب السمو حاكم الشارقة، الهادفة إلى ترسيخ ونشر الثقافة العربية وإعلاء شأنها حيثما وجدت، وتعزيز حضور الشعر العربي، أن تصل إلى إفريقيا لترفع شأن الثقافة العربية فيها، فبعد أن انتشرت بيوت الشعر العربي التي يرعاها سموه في عدد من البلدان العربية، ونشطت في دعم شعراء تلك البلدان، وجّه سموه دائرة الثقافة في الشارقة بالعمل على تنظيم ملتقيات شعرية سنوية في عدد من الدول الإفريقية، وانطلقت تلك الملتقيات في عام 2022، لتجوب تسع دول إفريقية.

قدّم وشارك في تلك الملتقيات ما مجموعه 114 شاعراً وشاعرة، ففي جمهورية غينيا التي نظم في أول الملتقيات الشعرية في إفريقيا في جامعة «لانسانا كونتي» في العاصمة كوناكري، شارك 12 شاعراً وشاعرة، وكانت المحطة الثانية في السنغال، حيث نظم الملتقى الأول في للشعر العربي في السنغال في المعهد «الإسلامي» في العاصمة دكار، وشارك فيه 10 شعراء وشاعرات، ومثّل الملتقى فرصة كبيرة للمبدعين الناطقين باللغة العربية في السنغال، وكانت نيجيريا المحطة الثالثة، حيث احتضنت المؤسسة «الخيرية لتعليم ونشر اللغة العربية»، ملتقى الشعر العربي النيجيري، وشارك فيه 10 شعراء وشاعرات، في جلسات شعرية تنوّعت فيها مشاربها اللغوية، واستحضرت القصائد قيم الجمال، كما شكّلت فرصة للتعرف إلى بيئات ثقافية جديدة ومتجددة، تؤسس لكينونة شعرية، وتنفتح على آفاق القصيدة بمداها الواسع، أما رابعة المحطات فكانت جمهورية تشاد حيث أقيم ملتقى الشعر العرب في مجمع «اللغة العربية»، على مدى يومين، بمشاركة 30 شاعراً وشاعرة، وكان الملتقى هو الأول من نوعه في تشاد، وبمثابة كاشفة حقيقية عن المواهب الشعرية فيها، وحطت في محطتها الخامسة في جمهورية مالي، التي قدّمت 13 شاعراً وشاعرة، ضمن ملتقى الشعر العربي في مالي التي أقيمت في جمعية «سحرة البيان الثقافية»، في العاصمة باماكو، وكانت النصوص الشعرية محمّلة بنسائم عطرية، واتخذت من الوزن العروضي طريقاً لها، وتلوّنت بمشهديات الطبيعة في مالي تارة، واختلطت تارة ثانية بذوات الشعراء التي فاضت أناشيد غنائية للحب، والوطن، ومواساة الذات بالأمل، وكانت جمهورية النيجر هي المحطة السادسة، حيث شارك 7 شعراء في ملتقى الشعر العربي في النيجر، الذي أقيم في نادي «النيجر الأدبي الثقافي» في العاصمة نيامي، والمحطة السابعة كانت دولة جنوب السودان، حيث أقيمت فعاليات الملتقى الشعري العربي لجنوب السودان في «اتحاد علماء مسلمي جنوب السودان»، وشارك فيه 16 شاعراً وشاعرة، وقدّم المبدعون المشاركون جملة من النصوص الشعرية، حملت صوراً ومشهديات مجازية، تستند إلى قاعدة لغوية متينة، وفي جمهورية بنين كانت المحطة الثامنة، وشارك في ملتقى الشعر العربي في بنين 6 شعراء، وأقيم الملتقى في جمعية «التعاون للتنمية الاجتماعية»، أما المحطة التاسعة والأخيرة، في تلك الدورة فكانت جمهورية ساحل العاج، حيث شارك عشرة 10 شعراء في ملتقى الشعر العربي في ساحل العاج والذي أقيم في شركة «الرؤية للتدريب والاستشارات الثقافية»، وشهد حماسة وتنوعاً في المشاركات الشعرية، وأظهر قوة وتمسك الشعراء المشاركين بالثقافة العربية واحتفاءهم بها.

 

المصدر: "الخليج"