
أ.د. عبد الله السيد (*)
في كل دول العالم انخرط الجميع في معركة هذا العدو الغاشم الذي لا يفرق بين مواقع الناس ولا مواقفهم... فها هو الرئيس الأمريكي بالأمس وعلى غير عادته يكرر الإشادة بدور الإعلام وإيجابيته... وفي فرنسا خفتت الأصوات التي كانت تطالب بمحاكمة الرئيس الفرنسي وحكومته لتقصيرهم في التعامل مع الوباء بداية ظهوره... والأمثلة كثيرة لا يمكن تتبعها...
أما عندنا فما زلنا نقرأ كلاما أصحابه خارج المعركة:
- بعضهم، باسم "الوطنية"، وحرصا على "الفقراء"، لا يريد تشديد إجراءات الحجر إلا إذا صاحبتها قرارات تتكفل بالفقراء والمعتاشين يوميا من عرق جبينهم... قرارات يراها هو رأي العين، ويقتنع بسلامة إجراءاتها...
- بعضهم يثمن خطاب الرئيس وإجراءات الحكومة لكنه يرى أنها لن تكون إجرائية عند التطبيق، لأن مخصصات الفقراء لن تصلهم؛ وبالتالي فلا يمكن تشديد الإجراءات...
وبالرغم من أن دوافع هذا الكلام قد تكون صادقة، وأصحابه قد يكونون أصحاب نيات حسنة فليس هذا وقته؛ إذ يحمل تحريضا ضمنيا على عدم الدخول في الحجر، والبقاء على الحالة العادية، وإقناع الناس أنهم إذا بقوا في منازلهم فالجوع قاتلهم، وبعضهم يقول صراحة إن قتل الجوع والفاقة أشد من قتل الداء...
لهؤلاء نقول السياق يقتضي، باسم الوطنية، ومن منطلق الحرص على المجتمع عموما والفقراء منه خصوصا، تحريض الناس على البقاء في منازلهم، وتبيان فوائد ذلك، وتذكيرهم بالصوم... وبأن الله ضمن للإنسان رزقه... وأنه كلما قل الجهد وكثر النوم قلت الحاجة للأكل والشرب... وأنه في وقت المعركة يتقاسم الناس رغيفهم بعدالة... وأن الحجر قد يكون خيرا للفقراء يستريحون فيه من تعب العمل اليومي... وللأغنياء يتذكرون فيه عظمة الخالق، ويجدون مناسبة لفعل الخير، والتنافس فيه تضامنا مع إخوانهم الفقراء، وحفاظا على مجتمعهم...
وقصارى القول علينا ان نواجه عدونا هذا بتوجيه المجتمع، كل المجتمع، إلى خنادق القتال؛ متمثلة في البقاء في البيوت، والتزام التعليمات، واستنهاض قيم التضامن، والبذل، والثقة في أن الإجراءات المتبعة كفيلة بالنصر؛ لأن غير ذلك في هذا السياق يكون إرجافا في المجتمع.
____
(*) مثقف وأكاديمي موريتاني كبير ومدير بيت الشعر في نواكشوط