يغفل كثير من الصادقين العرب عن بديهيات تؤكدها الاعتبارات الاستراتيجية الاقليمية ولزوميات الجغرافيا والتاريخ، وهي أن الوطن العربي، منذ الربع الأول من القرن الماضي ظل في مركز دائرة المغريات لجهات دولية عديدة تتبادل الأدوار والتنسيق المعلن والخفي، في مقدمتها القوى الامبريالية التي سعت من خلال وعد بلفور 1918 لزرع الكيان الصهيوني على أراضي فلسطين السليبة سنة 1948، تليها إيران التي دشنت حلمها التوسعي باحتلال دولة الأحواز العربية بعد ذلك بسبع سنوات 1925، وضمت الجزرالعربية الثلاث 1971، وشكل قدوم الخميني 1979 ذروة صب طاقة فيضها التوسعي تحت شعار تصدير الثورة الذي دشنت خطوته الأولى بحرب هدفها المعلن هو تغيير نظام الحكم ببغداد وإقامة جمهورية إسلامية مكانه، وفي السنة الثانية من الحرب انتهز الكيان الصهيوني فرصة انشغال الطيران العراقي في الجبهة يوم السابع من حزيران 1981 لتدمير أهم مشاريع البحث عن التوازن الاستراتيجي بين العرب وأعدائهم، وهو مفاعل تموز النووي . وقد لا تدرك بعض الأجيال الحالية الصادقة أن أكبر عملية عسكرية قام بها الكيان الصهيوني في حقبة الثمانينيات كانت اجتياح بيروت في يونيو 1982 لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية وما تلاها من دمار في الجنوب اللبناني ومذابح صبرا وشاتيلا وجاءت في نفس توقيت إعادة احتلال إيران لمدينة المحمرة وعبادان العربيتين الواقعتين على الضفاف الشرقية للخليج العربي تمهيدا لاجتياح مثلث الفاو في أقصى جنوب العراق في فبراير 1986.
كما أن رفع شعار (معاداة السامية) و(المحرقة) وتأمين اليهود في أرضهم التاريخية التي رفعها الكيان الصهيوني الغاصب غطاء دوليا لحروبه العدوانية المتواصلة على العرب هو ذاته شعار المظلومية الذي رفعه الخميني واغتر به كثير من الصادقين وهو : (إيران الثورة) دولة من الملائكة يحيط بها الشياطين من كل جانب، وبرر به ضمنا شعاره الديني (الإسلام) الذي استخدمه لاستمرار المطامح القومية الفارسية ورافعة إيديولوجية لإغراضه التوسعية في المنطقة، واحتاج وضع تنفيذه إطلاق بعبع الطائفية من قمقمه لزرع بذور الفتنة في الوطن العربي ودفع مكوناته المذهبية إلى الانغماس في قضاياه ونبش تراثه، وتكوين حزام عربي يولي قبلته السياسية وولاءه المذهبي لطهران، بدءا من شرق المملكة العربية السعودية حيث توجد الثروة النفطية وامتداده البشري والمذهبي في مملكة البحرين ، و بقية دول الخليج التي يشكل الراعايا الأيرانيون نصف سكانها ويدين بالولاء للمذهب الجعفري في نسخته الصفوية خمس سكانها الأصليين.
المفارقة التاريخية العجيبة أن تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1981، اسْتُبعدَ منه العراق الذي يتصدى حينها بالدماء دفاعا عن عروبة الخليح، وذلك خوفا من اثارة حساسية الخميني، رغم بداية انكسار حدة وعنف موجة حملته العدوانية على مشارف مدينة البصرة وهي أقدم وأكبر المدينة الخليجية، أما المفارقة الثانية أو الهفوة الاستراتيجية الرجيمة فهي تحالف عرب الخليج أنفسهم مع الغرب الامبريالي لتسليم العراق لإيران كي يصبح ولاية من ولايات ولاية الفقيه 2003.
فهل من المعقول اليوم أن يواصل العرب تكرار اخطائهم الاستراتيحية والتوهم أن بإمكانهم مواجهة الخطر الإيراني المطبق من جنوب غرب جزيرة العرب، حتى هلالهم الخصيب، دون دعم الأطراف الموجودة بين فكيه وتسعى لدحره وهزيمته وهي المقاومة العراقية، والمقاومة الأحوازية، الأولى يكفيها شرفا أنها تكفلت بهزيمة وطرد المحتل الأمريكي، وهي وريثة الدولة العراقية الحديثة التي نازلت العدو الإيراني وهزمته في جولة العدوان الأولى ومنعت دماء شهدائها الزكية وصول لهيب نار المجوس لأبواب كثير من بيوت العرب من الخليج حتى المحيط، أما الثانية فهي أقدم مقاومة عربية اليوم، وأشرفها واكثرها خبرة شعبية وتكتيكية في ابتكار قواعد الاشتباك المؤلمة مع العدو الإيراني في عمق أراضيه