
تبدأ لجنة الدفاع في البرلمان الجزائري، اليوم الاثنين، أولى المناقشات التمهيدية لأول قانون لتجريم الاستعمار يُعرض على البرلمان، قبل طرحه للنقاش العام السبت المقبل، ثم التصويت عليه في 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري. ويأتي ذلك وسط حماس سياسي لافت لهذا القانون الذي ظل معطلاً منذ طرح أول صيغة منه عام 1984، وفي ظرف سياسي يشهد تأزماً واضحاً في العلاقات بين الجزائر وباريس.
ويتضمن القانون، الذي حصل عليه "العربي الجديد"، 26 مادة تتعلق بتجريم الاستعمار وجميع ممارساته المرتبطة بتفكيك كيان المجتمع الجزائري سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ودينياً عبر أشكال العنف والاستغلال والنهب، وذلك خلال الفترة الممتدة من عدوان 14 يونيو/ حزيران 1830 حتى 5 يوليو/ تموز 1962. ويحدد النص التشريعي "الطبيعة القانونية للجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والذي يعتبر جريمة دولة مكتملة الأركان"، مع تحميل الاستعمار المسؤولية عن مخلفاته المادية وغير المادية عبر "إدراج أحكام قانونية تلزم الحكومة الفرنسية بالاعتراف والاعتذار الرسميين"، إضافة إلى إقرار أحكام جزائية وعقوبات ضد كل مساس بالذاكرة الوطنية أو إشادة بالاستعمار أو "التمجيد والترويج للاستعمار الفرنسي".
ويصنف القانون 27 شكلاً من جرائم الاستعمار الفرنسي، تشمل "القتل وتوجيه الهجمات العسكرية ضد السكان المدنيين، والاستخدام المفرط للقوة المسلحة، واستخدام الأسلحة غير التقليدية والمحرمة دولياً، وزرع الألغام والتجارب والتفجيرات النووية، والإعدام خارج نطاق القانون، والسطو على خزينة الدولة الجزائرية، وإخضاع الجزائريين دون سواهم للقوانين الاستثنائية، وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي الوحشي على نطاق واسع، والتعمد في المساس الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة العقلية، والتمييز العنصري والمعاملة اللاإنسانية، والحرمان المتعمد من الحقوق الأساسية، والترحيل غير المشروع للسكان المدنيين، ومصادرة الممتلكات، والنفي خارج الوطن". ومن بين الأمثلة إبعاد مئات المقاومين الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة في القرن التاسع عشر، الذين لم يتسن لهم العودة إلى الجزائر، وأقيمت لذكراهم لوحة كبيرة قبالة ميناء الجزائر.
27 جريمة لا تسقط بالتقادم
وتشمل هذه الجرائم أيضاً "المحاكم الخاصة، والإخفاء القسري واحتجاز الأشخاص، وتجميع السكان في محتشدات واستخدامهم كدروع بشرية"، إضافة إلى "الحرمان من التعليم، والاغتصاب أو الاستعباد الجنسي، وتدنيس دور العبادة وتخريبها، وجرائم التنصير القسري ومحاولات طمس الهوية الوطنية، وإلحاق الألقاب المشينة بالجزائريين بشكل منهجي، والتجنيد الإجباري في القوات المسلحة الفرنسية" بما يشمل الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ويشدد القانون على أن هذه الجرائم "لا تسقط بالتقادم"، وتحمل المادة الثامنة الدولة الفرنسية المسؤولية القانونية عن ماضيها الاستعماري، وتلزم الدولة الجزائرية "بالسعي بكل الوسائل القانونية والقضائية لضمان الاعتراف والاعتذار الرسميين من فرنسا، والتعويض الشامل والمنصف عن جميع الأضرار المادية والمعنوية"، إضافة إلى "استعادة أموال الخزينة المنهوبة، واسترجاع القيم المادية والمعنوية المحولة إلى خارج الجزائر، بما في ذلك الأرشيف، واسترجاع رفات رموز المقاومة لدفنها في الجزائر". وما زالت فرنسا تحتفظ بأكثر من 500 جمجمة لمقاومين جزائريين في "متحف الإنسان" في باريس، وقد سلّمت 24 منها فقط في يوليو/ تموز 2020.
كما يلزم القانون الدولة الجزائرية "بمطالبة فرنسا بتنظيف مواقع التفجيرات النووية الملوثة إشعاعياً، وتسليم خرائط التفجيرات النووية والتجارب الكيماوية والألغام المزروعة، وتعويض ضحايا التفجيرات والألغام وذوي حقوقهم". وما تزال فرنسا ترفض تسليم الخرائط رغم المطالبات الجزائرية المتكررة.
وكان البرلمان الجزائري قد بدأ في مارس/ آذار الماضي أولى الخطوات العملية لإصدار أول قانون لتجريم الاستعمار، حيث شكل لجنة تضم ستة نواب يمثلون الكتل النيابية الرئيسية: حركة مجتمع السلم (إسلامي)، التجمع الوطني الديمقراطي (تقدمي)، جبهة التحرير الوطني (محافظ)، جبهة المستقبل (وسط)، حركة البناء الوطني (إسلامي)، وكتلة المستقلين. واعتبر القانون أنه يأتي لمواجهة "محاولات التزييف وقلب الحقائق"، واستجابة للحاجة إلى إرساء آليات قانونية لتجريم الاستعمار الفرنسي وتحقيق العدالة التاريخية وعدم الإفلات من العقاب.
ويدين القانون، تحت طائلة العقوبات، كل تمجيد للاستعمار "قولاً أو فعلاً أو كتابةً أو رسماً أو إشارة أو نشر فيديوهات أو تسجيلات صوتية" تهدف لتبريره أو الترويج له، ويعاقب مرتكبي هذه الأفعال بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وفقدان الحقوق المدنية والسياسية. كما يصف القانون المتعاونين مع السلطات الاستعمارية بـ"الخيانة العظمى"، ويعاقب أي إشادة أو تبرير لتعاونهم، ويحظر أي مساس برموز المقاومة الشعبية والحركة الوطنية والمناضلين.
وتأتي هذه التدابير استباقاً لبروز بعض النخب الجزائرية التي استمالتها "الماكينة الثقافية الفرنسية"، والتي تقدّم خطاباً يزعم وجود إسهام إيجابي للاستعمار الفرنسي في تطوير الجزائر، وتدعو إلى "إعادة قراءة" الكولونيالية، وتقارن بين ظروف الجزائر خلال الاحتلال وظروف الدولة الوطنية بعد الاستقلال.

