
يشرفني أن أكون بينكم في هذا الحفل البهيج، الذي تنظمه منظمة الشفافية الشاملة، تخليدا لليوم العالمي لمحاربة الفساد، وتكريما لموظف متميز شهد له كل من عرفه خلال مساره الوظيفي بالاستقامة ونظافة اليد.
فكم هو جميل أن نجتمع في اليوم العالمي لمحاربة الفساد لتكريم موظف يشهد له الجميع بالاستقامة والابتعاد عن المال العام.
وكم هو جميل أن يكون الاجتماع بدعوة من منظمة الشفافية الشاملة التي أصبح دورها في رصد وكشف الفساد محل تقدير لكل المهتمين بمحاربة الفساد، وإننا في الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد لنفتخر - وحُقّ لنا ذلك - بأن هذه المنظمة عضو مؤسس وفاعل في ائتلافنا الذي كنا قد أعلنا عنه منذ شهر، بعد يومين توعويين مفتوحين نظمناهما حول مخاطر الفساد وآليات محاربته، خرجنا منهما بتوصيات عديدة، كانت من بينها توصية واحدة حُظيت بإجماع كل المتدخلين، وهي التوصية التي تتعلق بتأسيس تحالف أو ائتلاف أو جبهة واسعة لمحاربة الفساد، مع المطالبة بالمسارعة في ذلك.
لم يكن أمامنا - كجهة منظمة لليومين المفتوحين - إلا أن نستجيب لما أجمع عليه المشاركون، فأعلنا عن تشكيل الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد الذي يعد التجمع الأكبر لمحاربة الفساد في تاريخ البلد؛ فمن حيث العدد، فقد تشكلت هيئاته القيادية من 90 شخصية مهتمة بالشأن العام، وخاصة ما يتعلق منه بمحاربة الفساد، ومن حيث التنوع، فيوجد به العلماء والأئمة والخبراء والشخصيات الوطنية والنساء والشباب، ومن حيث الانخراط المؤسسي، فقد انخرطت فيه حتى الآن ما يقارب 200 منظمة فاعلة... ونتوقع أن تُوَقِّع ميثاقه لمحاربة الفساد كل الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة، ابتداءً من يوم الخميس القادم.
إن هذا الائتلاف - وكما أكدنا في بيانه التأسيسي - هو ائتلاف مستقلٌّ تمامًا في مواقفه وتوجهاته، وسيبقى مفتوحا أمام كل الموريتانيين الرافضين للفساد من مختلف التوجهات والمستويات والأعمار، وهو يهدف بالأساس إلى جمع كل المهتمين بمحاربة الفساد وصهر جهودهم في مسار واحد، قادر على كبح جماح الفساد والحدٍّ من تفشيه في بلادنا.
أيها السادة والسيدات،
إننا ندرك في الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد أن الحرب على الفساد لم تعد خيارا في بلدنا، بل إنها أصبحت حربا مصيرية لا بد من خوضها؛ فمصير بلدنا، ومستقبل أجيالنا، بل وحاضرنا نحن قبل مستقبل أبنائنا، أصبح مرهونا بخوض هذه الحرب أولا، وكسبها ثانيا. ولكي نخوض هذه الحرب ونكسبها، فلا بد من وجود إرادة سياسية صارمة وحازمة، ولا بد كذلك من خلق بيئة مجتمعية مناهضة للفساد ورافضة له.
إننا في الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد نسعى لخلق بيئة مجتمعية مناهضة للفساد، ولن يتحقق ذلك إلا في ظل تشكل إجماع وطني تقوده النخب المهتمة بالإصلاح ومحاربة الفساد.
أيها الحضور الكريم،
لقد أثبتت نخبنا - في أكثر من منعطف - أنها قادرة في أوقات التحديات الكبرى على تجاوز خلافاتها الآنية، واتخاذ مواقف إجماعية، بل إنها أثبتت قدرتها على التنسيق فيما بينها، وتنظيم أنشطة مشتركة لمواجهة تلك التحديات، وهذا ما تأكد عمليا بعد تعرض بلادنا لعمليات إرهابية، وخلال التصدي لجائحة كورونا؛ فخلال تلك الجائحة نست النخب خلافاتها، بل إن الأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة انخرطت في منسقية واحدة للتصدي لهذا الوباء العالمي.
ومن مظاهر قدرة نخبنا على تجاوز خلافاتها الآنية وتوحيد جهودها في القضايا التي هي محل إجماع وطني، ما يحدث دائمًا من تضامن واسع مع الشعب الفلسطيني، حيث عودتنا نخبنا - مشكورة - على اتخاذ مواقف إجماعية للتضامن مع أهلنا في فلسطين.
وانطلاقا من ذلك، فإننا في الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد نرى أن معضلة الفساد تعدُّ واحدة من أخطر التحديات التي تواجه بلادنا، إن لم نقل إنها هي الأخطر على الإطلاق، ولذا فهي تستحق إجماعا وطنيًا تقوده النخب الداعية للإصلاح؛ فوباء الفساد ليس أقلّ خطورة من وباء كورونا، وآثاره المدمرة للمجتمع والدولة ليست أقلّ خطورة من آثار الاستعمار؛ فإذا كان الاستعمار ينهب ثروات الأمم من الخارج، فإن الفساد ينهب تلك الثروات من الداخل، وإذا كان الاستعمار يُضعف الانتماء للدولة التي يديرها المستعمر، فإن الفساد يقتل روح المواطنة ويزرع عدم الثقة في مؤسسات الدولة. ولذا، فإذا كانت الشعوب التي ترزح تحت وطأة الاستعمار تستحق تضامنا واسعا، فإن الشعوب التي تعاني من الفساد تستحق هي كذلك تضامنا واسعا.
إن الفساد هو أعظم شر ابتُلينا به بعد الاستعمار، ومن يقول إن الاستبداد أشدُّ بلاء ابتُلينا به بعد الاستعمار فقد أخطأ القول.
نعم، الاستبداد خطير، ويتسبب في كوارث للبلدان التي ترزح تحت وطأته، ولكن مع ذلك فقد قدم لنا التاريخ استثناءات قليلة تمكن فيها مستبدون من النهوض ببلدانهم... صحيح أن هذه مجرد استثناءات، وهي تؤكد القاعدة التي تقول إنه لا نهضة مع الاستبداد، ولكنها مع ذلك استثناءات موجودة.
أما في حالة الفساد، فلا استثناء على الإطلاق؛ فلا توجد - حسب علمي - دولة واحدة تفشى فيها الفساد، استطاعت أن تنهض في ظل نظام لم يحارب الفساد، سواء كان ذلك النظام ديمقراطيا أو استبداديا أو هجينا بينهما... لا توجد دولة واحدة في العالم يمكن أن نعتبرها استثناء للقاعدة التي تقول إنه لا نهضة ولا تنمية ولا إصلاح مع الفساد.
لا إصلاح مع الفساد، ولا نهضة ولا تنمية معه. هذه قاعدة ثابتة، لا استثناء فيها إطلاقا.
تلكم كانت رسالتنا في الائتلاف إلى النخب التي ترفع شعار الإصلاح. أما رسالتنا للنظام، فهي أن الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد سيبقى ظهيرا شعبيا داعما له، وسندا مجتمعيا متينا لأي خطوة صادقة وجريئة يتخذها في محاربة الفساد. ويمكن للنظام أن يعوّل علينا في الائتلاف لخلق الحاضنة الشعبية الداعمة لمحاربة الفساد، طالما أن البوصلة ظلت متجهة لمحاربته، وفي المقابل فإننا لن نتأخر في تقديم النقد البناء والنصح الصادق له، كلما شعرنا بأن المحاربة الجدية للفساد تقتضي ذلك.
وفي الختام، أجدد شكري لمنظمة الشفافية الشاملة، وأهنئ المفوض المكرَّم، وأختم بالقول: الفساد ليس عدوا ضعيفا، فلنحاربه معا.
شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

