
د. محمد ولد أحظانا
تأطير:
من المثير حقا للانتباه ما تشهده الساحة السياسية والإعلامية هذه الأيام من حملة ضارية على وزير الداخلية الموريتاني الحالي السيد محمد أحمد ولد محمد الأمين.
ومن المهم في هذا الصدد أن يتساءل المراقب المتأني سؤالين جوهريين لفهم أسرار هذه الحملة:
- السؤال الأول: ماهي الدوافع الخفية، وما الخلفية الكامنة وراء هذه الحملة الضارية المنظمة؟
- السؤال الثاني: ما هي الجهات التي تقودها من وراء حجاب أو بدون حجاب؟
هناك سؤلان تمهيديان تساعد الإجابة عليهما في توضيح الأمور:
- السؤال الأول: من هو وزير الداخلية الموريتاني الحالي، حقيقة، من خلال ما أنجزه فعلا، لا دعوى ولا ادعاء؟
- والسؤال الثاني: ماهي النتائج الأمنية والسياسية الاستراتيجية والمرحلية المترتبة على الإنجازات التي حققها هذا الرجل لبلده في المحصلة العامة؟
وابتداء، لا أكتمكم أن العمل الإداري في السنوات الماضية أتاح لي فرصة التعاطى المؤسسي مع هذا السيد ضمن الملف الثقافي الوطني الذي أعمل فيه، ولاحظت أن هذا الملف الحيوي ضمن أولويات رئيس الجمهورية، فخبرت الرجل عن كثب.
وبالتالي فإن هذه التجربة سمحت لي باستخلاص تصور عن الخصائص الأدائية والتصورية له. و بذلك فإنني لا أتحدث من فراغ عنه، وإنما عن بينة. و سأجيب على الأسئلة بترتيب منهجي مختلف تقتضيه المعالجة.
أولا: من هو وزير الداخلية الموريتاني الحالي كما لاحظت؟
لا حاجة لتذكيركم بالاسم الرسمي لمحمد أحمد ولد محمد الأمين، أما الصفات الرسمية العملية فهي أنه: إداري مكون تكوينا جيدا، يملك تجربة بدأت بحاكم موكز إداري في الداخل، وانتهت بوزير داخلية وسفير في عدة بلدان، ثم مدير لديوان رئيس الجمهورية.
وبعدها عاد وأصبح وزيرا للداخلية.
تلك هي الورقة الوظيفية، أما القيمة الأدائية للرجل فنضرب لها أمثلة بثلاثة نماذج معروفة ومشهودة:
- النموذج الأول:
أيام كان الرجل وزيرا للداخلية في الفترة الانتقالية.
ثم أيام كان مديرا لديوان رئيس الجمهورية.
ثمت أيام كان وزيرا للداخلية من جديد.
1- فترة الحكومة الانتقالية: أدار الرجل هذه المحطة المفصلية بكفاءة مرْضية للمعارضة والأغلبية، خاصة ملف الانتخابات والحوار السياسي الممهد لها، بغض النظر عن النتائج النهائية لصالح من كانت؟ المهم أنه لم يسجَّل أي نقد جدي على أداء هذا الرجل ولا على وزارته حينها رغم التجاذب الحاد أحيانا بين الأقطاب السياسية الموريتانية.
لقد خرج هذا الوزير نقي السمعة من تلك التجربة السياسية والإدارية المحرجة و بمكاسب معتبرة في صلب مهمته من دون خسائر تذكر في المحصلة.
2- محطة تسيير ديوان رئيس الجمهورية الحالي السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في مأموريته الأولى:
بدأت هذه المحطة بإدارة حملة ناجحة اتسمت بالأريحية والمرونة، والوقوف عند الكلمة، وعدم المبالغة في أي شيء، سواء فيما يتعلق بالوعود للمناصرين أو الوعد للمنافسين السياسيين.. وانتهت الحملة بنجاح لاشية فيه لمرشحه للرئاسة، رغم بعض المنغصات الخاطفة، الغامضة الأسباب حينها، بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية (شغب غير مصنف انحصر في مقاطعتين من مقاطعات نواكشوط، خبا فجأة كما اشتعل فجأة)؛ فلم يسجل عليه انفعال ملفت للانتباه.
وقد كانت فترة إدارة هذا المدير الجديد لديوان رئيس الجمهورية فترة نفاذ سلس وتواصل مضطرد بين القصر والشركاء السياسيين والإدارات والقواعد الحزبية من الأغلبية والمعارضة والهيئات التابعة.. وكذلك مع بعض الهيئات الميدانية الحيوية التابعة والمستقلة، توجيها ودعما وتقويما.
كما كان النفاذ الخدمي إلى القاعدة الجماهيرية واضحا عبر متابعة صندوقي الدعم الصحي، و تآزر. وتنسيق حملة مكافحة "كوفيد".. وغير ذلك.
وهنا أنبه إلى مسألة في غاية الدقة وهي أن الأمر والتوجيه بالطبع يصدران من صاحب القرار الأول، لكن الإخلاص، وجودة الاستيعاب، ووضوح الرؤية، و حسن التنفيذ، وتحقيق النتائج المطلوبة.. تعود إلى المساعد الأول لصاحب الأمر (الرئيس) الذي هو مدير الديوان أو الوزير عادة. فإنه ما لم يكن المساعد مخلصا و مقتنعا ومقنعا و متمكنا وأمينا مجربا، واضح الرؤية، فلن تصل القرارات إلى مرحلة النتائج الملموسة.
وأزعم هنا أن نواقص التنفيذ ومشتقاتها الكارثية عندنا ترجع إلى عدم توفر هذه المقومات في أغلب المساعدين الأوائل، وهي مقومات أرى هذا الوزير متصفا بها.. ولا أزكي على الله أحدا.
3- محطة وزارة الداخلية الحالية:
ابتداء، ثمة ملاحظة علكم لاحظتموها جميعا وهي أن أحدا ممن تسلطوا على وزير الداخلية الحالي شخصيا لم يذكروه بسوء قبل إثارته لملف الهجرة العشوائية إلى موريتانيا وتعاطيه بشجاعة أدبية واضحة وشفافية صارمة معه دون مجاملة أو تراخ. و سأعود إليه في نهاية هذه الملاحظة في نهاية المعالجة.
المهم أن السيد الوزير محمد أحمد ولد محمد الأمين وصل إلى وزارة الداخلية في وقتها والاحتقان السياسي في أوجه بين المعارضة والأغلبية.
وقد رعت وزارة الداخلية عند قدومه هذا الملف بذكاء وانفتاح مقنع وفاعلية جلية، وجسدت ذلك في حوار انتهى بتوافقات مكينة لا تزال نتائجها من ضوابط الساحة السياسية إلى الآن باستثناءات تثبت القاعدة، سواء فيما يتعلق بانتخابات البرلمان أو البلديات أو الرئاسيات. فكل أولئك جرى بسلاسة دون ضجيج يذكر، إلى درجة أن بعض رموز المعارضة دعموا مرشح الأغلبية رغم أصالتهم في المعارضة التاريخية الصلبة.
وإذا كانت بعض الأصوات قد ارتفعت لاحقا ارتفاعا مترددا في خياراته إن لم يكن مضطربا؛ فإن الاحتقان السياسي لم يعد لله الحمد. فما يجري حاليا ليس في صلب السياسة الوطنية وإنما هو ملف أمني استراتيجي إقليمي ودولي خطير.. فهو بذلك ملف دخيل في السياسة، طارئ عليها ، واغل فيعا، لكونه ذا طبيعة إقليمية ودولية. والوهم الحاصل بشأنه هو التباسه بالسياسة أو تلبيسه بالسياسة وتجاذباتها الداخلية، رغم أنه ملف أمني استراتيجي بامتياز، وهذا التوهيم هو الذي أثار هذه العاصفة الحالية نتيجة اضطراب واقع الهجرة العشوائية وتقاطعه مع إرادات بعيدة الأثر. و هو ما بدا بعد تكشف للخفايا لاحقا من خلال ردود الأفعال المتعجرفة على الإجراآت القانونية الحكومية من طرف منظمات عنصرية الطرح، بدا أنها كانت تنفذ -على ما ظهر لاحقا- خطة تهجير وتجنيس سافرة إلى موريتانيا، استدرجت إليها بعض المواطنين السياسيين بأغراء الاتضواء في إهابه، فشنوا حملة بدأت بالرئيس، مرورا بالحكومة، وانتهاء بوزير الداخلية السيد محمد أحمد ولد محمد الأمين الذي "بردت فيه" رصاصة هذه الحملة..
لقد استنتجت الجهات المعنية بهذه الحملة أن الضرر على خطتها الجذرية لتغيير الخارطة العناصرية لموريتانيا تضررت تضررا شديدا فادحا من مكافحة لم يثرها غير الإجراءات الأمنية الحازمة من أجل الوقوف في وجه الخطة المنوية لمواطنين متمالئين مع جهات وأهداف خارجية وحركية داخلية.
ويبدو أن سعي الرجل لإفشال خطة توطين 450 ألفا من مواطني دول مجاورة وغير مجاورة من قومية معينة أساسا هو الذي جر على وزير الداخلية كل هذا الضجيج المتزايد بحجم الألم من فشل الخطة. وأهم برهان على ما اقول ان الحملة الشعواء على هذا الوزير بالذات لم تبدأ قبل التعاطي القانوني الصارم مع ملف الهجرة العشوائية ولاشيء غيره، حيث لم يثره أي ملف آخر. وقدما قيل: "إذا عُرف السبب بطل العجب". (موضوع متواصل).

