إعلانات

العلامة المختار بن أشفغ موسى... إمام القضاء وشيخ الإصلاح

ثلاثاء, 30/09/2025 - 16:49

يعقوب "اليحيوي" بن محمد موسى

 

لا شيء أكثر دافعا للإقدام وإرعاف اليراع من سير الصالحين، فهي البركات المتنزلة والنفحات السارية والأسوة الحسنة والسبيل السالك وهي في جملتها مراقي الأواهين و"معارج السالكين" و"محاضرات الأدباء" و"نفح الطيب" فإذا ذكروا ذكرت القيم الفاضلة وإذا نُسبت فإليهم تنسب وإليهم تعزى.

ولا شيء أدعى للتوقف والإحجام عن الكتابة عنهم سوى أن الإحاطة بما خصوا به من المآثر وما عرف عنهم من الفضائل تعد من شبه المحال ومما لا تطاوع فيه الأقلام.

وبين الإقدام والإحجام لم أجدا بدا من تطريز هذه الترجمة في حق الجد السابع القاضي العلم المختار "الطلبه" بن أشفغ موسى وفاء بحق ثابت وقياما بواجب التعريف بأعلام المسلمين وأئمة الهدى.

وقد أعان على هذه الترجمة ما انتشر من صيت الرجل على مر الزمان وما تسلسل في عقبه من العلماء والقضاة والأعيان.

ولد المختار حوالي عام: 1077 هـ وذلك بناء على استقراء ما ورد في كتاب "أمر الولي الإمام ناصر الدين" للشيخ محمد اليدالي في معرض حديثه عن كشف الإمام حيث يقول: "وأخبرني محمد ابن شيخنا المختار بن موسى قال عن أبيه وهو شيخنا المذكور أن أمه وهي خالة ناصر الدين كانت سمعت أن ناصر الدين قال إن ابنها محنض الدوله تقتله المغافرة قال شيخنا: فأمرتني أمي ليلة أمشي معها نحو ناصر الدين تسأله عن ذلك قال: فمشيت أمامها وأنا صبي حينئذ فجئناه فقالت له: هل قلت إن ابني محنض تقتله المغافرة؟ قال: نعم تقتله عاجلا فكان ذلك فإنه قتل في القوم القضاة الذين قتلوا في محلة أولاد الحاج".

فإذا قررنا أن الصبي الذي يعقل الرواية ويضبط المواقف تكون سنه عادة بين الخامسة والسابعة واستحضرنا أن معركة نُجيدُ القضاة "اعلَيبْ الغظـيَ" كانت في حدود 1084 هـ فإن ميلاد المختار كان في حدود: 1077 هـ تقريبا.

وقد نشأ بين أبوين صالحين في بيئة علمية ومجتمع معرفي عريق مُعتَـرف له في قطره بالريادة والسبق العلمي، فوالده هو العلامة موسى بن يعقوب بن أبي موسى بن يعلى "أبيال" بن عامر بن يعلى "أبيال الأكبر" بن ابهنضام بن محمد بن يعقوب الجد الجامع لليعقوبيين.

ترجم له العلامة المؤرخ المختار بن حامدن في "موسوعته" بما نصه: "...أشفغ موسى بن يعقوب بن أبي موسى بن عامر بن ابيال بن ابهنضام وكان علامة جليلا مدرسا قاضيا مفتيا صالحا شهيرا وفي ولده العلم والقضاء المتسلسل خلفا عن سلف منهم ابنه المختار العلامة الصالح الزاهد الورع المدرس وأولاده محمذ "آبَّ" وأحمد تكرور والأمين وكلهم علماء أجلاء مدرسون".

وعده العلامة محمد "يـﮕو" بن أحمد ميلود الديماني ضمن من توسل بهم في لاميته الشهيرة بقوله:

أشفغ موسى والـد الأقــيال *** للخمـس كاليمـين للشـمال

وقد حمل الشيخ موسى لقب الفقيه وهي الرتبة العليا من مقامات التقدير العلمي في هذا الفضاء الصحراوي، وتنطق غالبا محرفة إلى اللغة الصنهاجية "أشفغ أو ألفغ" ولا تطلق إلا على المبرز في معارف المحظرة الشنقيطية ومن تسلم إليه النفوس للتعليم والتربية.

وإذا كان لقب الفقيه قد غلب على الشيخ موسى بن يعقوب فقد كانت صفة الورع من أخص صفاته المائزة له وخلاله المعرفة به ومن أمثلة ورعه ما ذكره العلامة محمد سالم بن المحبوب ناقلا عن العالم المؤرخ أحمد سالم بن باﮔا قال: "وقفت على نقلة هذا نصها: روى المختار بن حبللَّ امجارْ عن أحمد بن العاقل أن أشفغ موسى سار في أهل الإبل وزوجته مقرب وعنده ثلاثون مداً من الزرع يحملها لزوجته المقرب ولزمته زكاة الفطر ولم يوجد في تلك البلدة من الزرع إلا المحمول لهذا الغرض والمعاش اللبن فأعطى ذلك الزرع في زكاة الفطر ولم يبق منه إلا مدٌ واحدٌ وولد من ذلك البطن الذي رُجحت عليه زكاة الفطر المختار بن أشفغ موسى وكفى بهذا دليلا أن المعشر لا يجزئ غيره إن وجد".

وعن ورعه أيضا قال ابن المحبوب: "وقد ذكر المرحوم أحمد سالم بن باﮔا عازياً إلى والد بن المصطف بن خالنا أن من ورع أشفغ موسى ما حدثني به حفيده محمذن بن شيخنا المختار أن رجلاً من قومه ذبح بقرة وأهدى له عظم صدرها كما يفعل لأمثاله عادةً من العلماء والرؤساء وقد كان بلغه أن الذي تولى تذكية تلك البقرة ممن لا ترتضى ذكاته وكانت له بنت حامل فلما وضع العظم بين يديه اهتم برده لواهبه خوفا من ربه من حيثيتين: من حيث إنه من ذكاة من لا ترتضى ذكاته، ومن حيث إنه مختار مال مسلم وهبه ظاهرا وهو في الباطن سيف حياء المنصوص في غير ما محل إنه كسيف بحديد ولأنه لا خيار في أموال الناس في الزكاة اللازمة فضلاً عن غيرها ولما أراد أن يرده قالت له زوجته: لا تقتل ابنتك من يسير فلعل نفسها تبعت ما اشتهته فإنك إن رددته لا يؤمن عليها منه أفلا تتقي الله في حقها كما اتقيته في العظم... ولم تزل تحاوره في ذلك حتى ساعدها على إمساكه فصنعوا للبنت منه صنيعاً فأكلت منه ثم أرادت أن تمسح وجهها بيديها كالعادة فقال: إن التلطخ بالنجاسة لا يسوغ فحسبك ما تقدم منه من جراء الضرورة".

وعلى سنن والده في الورع سار صاحب الترجمة، فقد نقل ابن المحبوبي عن ابن باﮔا عن ابن خالنا في معرض كلامه على أقسام العلماء في الورع ما نصه: "قيل إن شيخنا المختار استضاف يوماً قوما بتلامذته وفيهم ابنه محمذن فأضافوهم وأتوهم في الليل بـآنية من لبن ووضعوها عند رؤوسهم وهم نائمون لا يشعرون فبينما هم نيام إذ نبههم صوت ولوغ كلب يلغ في أحد الأواني فميزوه ونحـّوه عن سائر الأواني إذ كرهته أنفسهم وقال قائل منهم: ردوه لأهله أو اطرحوه أرضا أي: أريقوه بمسمع من الشيخ فأنكره عليهم وقال لهم: أما إراقته فلا سبيل إليها أما تسمعون قول الإمام مالك رحمه الله: "أُراه عظيماً أن يعمد إلى رزق الله فيراق" أجل ناولونيه لأشربه حلالا طيباً قالوا: مالك به من إرب فنحن عنه في غنى فدعنا نرده لأهله وها نحن عندنا ما يحسبنا مما لا تعافه النفوس ثم لم يزالوا يراودونه في رده أو إراقته يريدون تنزيهه عنه إلى أن قام إليه وحازه وأقسم ألا يتعشى الليلة بغيره لأنه من أحل الحلال ولو وجد أنواع الطعام الشهي وأنواع الشراب".

عاش المختار في هذا الجو المفعم بالحراك العلمي والتدين السُني اللذين أثمرا توجه مجتمعات الزوايا آنذاك نحو إقامة دولة إسلامية فكان من الجيل الذي عاصر حركة الإمام ناصر الدين وشارك بعد فتوته في بعض حروبها بل إنه كان على قرب شديد من مركز قيادتها.

فأمه حنانه بنت أشفغ أوبك - دفينة "ملزم ازريبه"- خالة الإمام ناصر الدين وهي وأخواتها منجبات العظماء الأعيان أسباط الولي الصالح أشفغ أوبك بن أِشفغ مـگر بن أشفغ مغـچـس التمـگلاوي العباسي.

وعلى ولاية هذا الشيخ وفضل بناته انعقد الإجماع وتواترت الأخبار وتذكر الروايات أنه كان يرقص بناته وهن صغيرات فقال في"حنانه": «إني أجد ريح القضاء» فأنجبت القاضي المختار بن أشفغ موسى وتسلسل القضاء في عقبه مشهور وفعل ذلك ببقية بناته فقال في "هينيا": «إني أجد ريح الجهاد» فأنجبت الإمام ناصر الدين وشقيقه محمد منير الدين وقال في "تنغوس": «إني أجد ريح السم» فأنجبت ربيب الأفعى الشيخ حبيب الله نالمختار الألفغي الذي يلجأ إليه وإلى بنيه في رقية السم وقال في "فاظمه": «إني أجد ريح الكشف» فأنجبت خالنا بن الفاضل الأبهمي الديماني الذي أنجب بدوره محمد "والد" واشتهرا بالولاية والكشف.

وفي الشيخ أشفغ أوبك وبناته يقول العلامة ٱمحمَّد بن أحمد يوره:

عـج بالكبيـر أبـي الكرام الكمل *** وأبي البنات وهن حرز المنزل

فــولدن كـل مـجاهـد ومـشاهـد *** ســر الغيوب وكـل قـاض أنبل

مثـل الـذي بسـيـوفه وزحـوفـه *** رد الأنـام إلـى الطريق الأعــدل

والمـشتــفى ببــروقه وبــريقـه *** من كل ذي حُمَةٍ وداءٍ معـضل

والموسويـون الألـى قد فصلـوا *** حكـم القضاء بكل حكـم فيصل

والنظم ضـاق ببعضهم فحذفته *** ولـربما حـذف الـذي لـم يجـهل

ثــم الصلاة عـلى النبي محمـد *** خـيـر الأنام ووصلة المتوصل.

وقد حمل بيت المختار بن أشفغ موسى لقب "الطلبه" حتى صار علما عليهم بالغلبة، وهو تقدير علمي ما كان يحمله إلا من جاز القنطرة في العلم والتربية والإصلاح، وبهذا اللقب خاطبتهم أجلاء العلماء والأعيان كقول الشيخ محمد المام يعني الشيخ محمذ "آبَّ العَلَمْ" بن المختار بن أشفغ موسى:

والموســويون فاقــوا كل واعـيـة *** مـن الخميس الــذي قادته لمتــون

ومـا محـمـد بــن "الطلـبه" ناقـلـه *** دون المطاعن في ذاك المطاعين

وقول العلامة حرمه بن عبد الجليل يعني العلامة الشاعر الشهير ٱمحمَّد بن محمد الأمين بن محمد "آبَّ العَلَمْ" بن المختار "الطلبه":

يا ابن المشايخ والأشياخ أسلافه *** جزاء من يسعف العافين إسعافُهْ

لكـنَّ "تـبـصرة الحُـكَّـام" مَـبْخَلَـةٌ *** ولــؤلؤ وســواد القلب أصــدافُهْ

ومــن أعار ســواد القلـب أتلفه *** لكـن يهــون علينا فيـك إتــلافُهْ

وكتب مؤلف "الوسيط" الشيخ أحمد بن الأمين العلوي في ترجمته ابن الطلبه: "...وإنما لقب بيته بالطلبه لأنهم كانوا أعلم أهل ناحيتهم فكانت الناس ترحل إليهم في طلب العلم".

وفي ترجمة ابن الطلبه أيضا يقول الشيخ الدكتور محمد المختار بن أباه: "هو الموسوي اليعقوبي ت:1272 ﻫ 1856 م ينسب إلى الطلبه لأن والده وجده كانا شيخي مدرسة من أرفع محاضر الناحية التي يسكنون فيها كما أن فخذه من اليعقوبيين هم أبناء أشفغ موسى عرفوا بالتبحر في العلوم الفقهية واللغوية فتوارثوا التدريس والقضاء أبا عن جد".

وفي كتاب "تاريخ إمارة اترارزه" للمؤرخ أحمد سالم بن باﮔـا ما نصه: "الطلبه لقب لكل بيت من الزوايا تفرد في عصره بالعلم والورع والجاه فـلُـقب به بيت المختار بن موسى بن يعقوب".

وفي إحدى رسائل العلامة يحظيه بن عبد الودود مخاطبا القاضي محمد عبد الله "دداه" بن أحمد بن ابُّوه: "وممن جمع الأوصاف الموجبة للتعظيم والتكريم علينا آل أشفغ موسى وخصوصا آل آبَّ وخصوصا آل ابُّوه وخصوصا محمد عبد الله ابن أحمد فإني تلميذه وابن أشياخي وأشياخ المسلمين منه ومن أبيه إلى هلم جرا وأوصي به كل من بيني وبينه معرفة أو صحبة أو تلمذة من الترارزة وخصوصا أحمد بن الديد وقانا الله وإياه كـل كيد فصـلاح أمـركم على يد آبآئه وكذا آخركم في ظـني تقبل الله من تقبل كتابي". هـ.

دراسته وشيوخه:

تلقى المختار بن أشفغ موسى مبادئ العلوم في محيطه الخاص وبين ذويه كما هو حال أضرابه من أبناء مجتمعه وقد جمع في هذه المرحلة بين العلم والجهاد ولربما أخذ الجهاد جزء من وقته حيث شارك وهو شاب يافع في بعض وقائع "شربب" حسب عدة مصادر منها ما كتبه هو نفسه في وثيقة هي أقدم ما دون في أنساب المجتمع الشمشوي جاء فيها: "...الحاج جد المختار بن محمد وأخيه أعمر "اضغيش" أتانا ابـوه عبد الله - أي حي بني يعقوب - وهو من الصالحين، وأول مجيئه من الحوض قبل "شرببه" بسبعين سنة، وقاتل معنا فيها..".

 

وقد جرح المختار في إحدى وقائع "شربب"، يقول ٱمحمَّد بن الطلبه:

من أل ابي موسى بن يعلى بن عامر *** إذا شـهـدوا زانــوك فــي كـل مجمع

على حافظ من عهد "شربب" حافظوا *** عـلـى ملـكـه مثــل الــمجــرة مهـيــع

وأبـقـى مــراس الحــرب منهــم بقية *** بـحــمــد الإلـــه لا تـلـيــن لمــفـظـــع

وتذكر الرواية المأثورة أن المختار لما جرح تتبعه بعض الجند يقصون أثره فلجأ إلى خيمة فوجد فيها امرأة من قبيلة "التوابير" فأخفته بأن أدارت عليه حصيرا وأوقفته في طرف من خيمتها وأمرت أبناءها أن يسوقوا الغنم على أثر الدم، ولإكمال التمويه كشفت عن شعرها وأخذت تمخض وطبها "الشكوة" تعمية لهم وتضليلا وقد انطلت الحيلة عليهم فلم يظفروا به.

وإذا كانت هذه التيبارية النبيلة أنقذت روحه فإن تيبارية أخرى قد أوقدت في نفسه همة طلب العلم حين سألته عن معنى بيت من التوحيد من نظم "واسطة السلوك" المعروف بالحوضي لمؤلفه محمد بن عبد الرحمن الحوضي، وهو قوله:

ليـس بجسـم لا ولا جسمان *** ولا بـــحــيـــز ولا مـكـــان

ولما استغلق عليه الجواب قرر التوجه إلى محظرة شيخ الشيوخ الفاضل بن أبي الفاضل "الفالل ول بو الفالل" الحسني وهو إذاك من أجل علماء عصره وأكثرهم طلابا وكان ذا أسانيد علمية عالية وكنوز معرفية جليلة عاد بهما من رحلته للحج.

ومن أشهر طلاب هذه المحظرة كما ذكر العلامة أحمد محمود بن يداد الحسني: "القاضي المختار بن أشفغ موسى، العلامة القاضي ولد ٱعل ممو السباعي، العلامة محمذن بن أبهم الأجيحبي، العلامة مسكه بن بارك الله الباركي، العلامة حبيب الله بن غالي الديماني، العلامة محنض بن أحمد بن وديعة الله الحسني، الفقيه سيدي أحمد العلوي، الفقيه أحمد باب الأجيجبي، الفقيه بابا انحمود الحسني".

وإبان اقامته بهذه المحظرة تعرف على الشيخ الأمين العتروسي فقد ذكر العلامة محمد عبد الله بن البخاري بن الفلالي في كتابه "العمران" في معرض حديثه عن العلامة مسكه بن بارك الله ما نصه: "ومن همته وطلبه للعلم أنه كان مع المختار بن أشفغ موسى العلم الشهير فسمعا أن العتروسي العالم الشهير في الظاهر والباطن أتى لبلد قريب منهم، فقال: مسكه للمختار امض بنا إليه ليفيدنا  فقال المختار: لا أظنه يفيدنا بشيء ليس عندنا، فأبى مسكه إلا المسير إليه، فلما أتياه وانتهى سلامهما عليه ناولهما طعاما فقالا له: إنا صيام فقال: تطوعا؟ قالا: نعم  فقال: "كوالد وشيخ و إن لم يحلفا"، فقالا له: لست بشيخ لنا ولم نرك قبل الآن، فقال لهما: إن من كان أهلا لذلك يكون شيخا وإن لم تعرفه قبل ذلك فأفادهما بهذه المسألة، وكذلكم أراد مسكه... والعتروسي هذا هو أول من حل إشكال ثلاث مسائل أو أربع من الشيخ "خليل" في هذه البلاد نسيتها وكانت عندي بخط أحمد مسكه عمي أو أحمد مسكه جدي..".

وكانت فترة طلب المختار للعلم شاقة انقطع فيها عن الشواغل وحصر همته ووقته في الأخذ والتحصيل حتى إنه امتنع عن قراءة الرسائل التي كانت تصله من أخواته اللاتي تركهن وليس معهن – كما تقول الرواية – غير عامل، ولا يملكن من المال غير ثور.

وبعد أن تصدر على يد شيخه فتح رسائل أخواته، فبكى بعد قراءة الرسالة الأولى وفيها أن العامل توفي وأن الثور نفق وأصبحن يباشرن جلب الماء.

ثم ذهب عنه الروع بعد قراءة الثانية، وفيها أن إحداهن تزوجت وأن الظروف بدأت في التحسن.

وفرح بعد قراءة الثالثة وفيها أنهن بخير ويطلبن منه البقاء في المحظرة حتى يكمل دراسته.

والحق أنه لو عرضت له هذه المشاعر المتضاربة عند بداية الطلب لكانت عاطفة الأخوة قطعت عليه دراسته لكن همته كانت أقطع وعزيمته كانت أسمى والله يتولى عباده ويخلف غائب الجهاد والعلم في أهله بخير كثير.

ومن شيوخ المختار أيضا الشريف العلامة محمد "أشفغ مينحن" بن مودي مالك، وكان المختار ذا مكانة عنده وربما أحال إليه ما أشكل من النوازل كمسألة الحبس التي أوردها الدكتور يحيى بن البراء في مجموعته الكبرى ونص المراد منها: "يقول المختار بن ألفغ موسى اليعقوبي في جواب شيخه مينحن في سؤاله له عن حكم الأحباس: "وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته أما سؤالكم عن حالي فأنا والحمد لله على خير وعافية أبقاكم الله لنا ذخرا ننفق منه دهرا أما ما كنتم تلتمسونه من نص النازلة ليس عندي فيها ما يثلج الصدر لكنني لا يمكنني الإعراض عن جوابكم ولو بما هو كالضروري في علم تلامذتكم..".

كما يروي المختار عن مشايخ أجلاء منهم الشيخ محنض بون بن حبيب الله بن أبي يعدل الألفغي والشيخ محمد بن اهنض الجواد حسبما ذكره المؤرخ محمد سالم بن باﮔـا ناقلا عن الشيخ والد بن خالنا.

وبعد أن أكمل المختار طلبه للعلم تصدر للتدريس وأسس محظرته بمنطقة "إيرشيش" كما حدثني بذلك العلامة أحمد بزيد بن حياني رحمة الله عليه، وهي أكمة تقع جنوب "تنياشل" على بعد حوالي 5 كلم وحدثني السيد المؤرخ محمد عالي بن عُبيد القوناني راويا عن أسلافه أنهم إبان دراستهم على المختار ربما أقاموا عند حسي "تن تاگونانت" على مسافة 10 كلم جنوب غرب "تنياشل" ففي هذا الحيز الجغرافي نشأت محظرته وازدهرت وتخرج منها علماء أجلاء وأعيان بارزون منهم: محمد اليدالي ومحمد العاقل ومحمد والد بن خالنا وعلي "اعديجه" بن باي القوناني وأبناؤه: المعزوز وأحمد وحبيب الله والأمين. وحدثني الدكتور الباحث اﮔليـﮕم بن لَلاهِ أن جده علي "اعديجه" وجدنا المختار تعاهدا في حياتهما على التجاور في الدفن فتم لهما ذلك حيث وريا الثرى جنبا إلى جنب بمدفن "تنياشل".

وممن أخذ عن العلامة المختار أيضا أبناء الشريف أحمد بن محم القوناني جد بطن "أنـﮕرده" وهم: محمد الأمين "عتاﮔـ" وابنيه عبد الله وسيدي وأخوته الحاج أعمر ومحمد.

وتعطينا المساجلة التالية صورة عن الصلة العلمية والمودة المتوارثة بين بطن "أنـﮕرده" وآل المختار بن أشفغ موسى، يقول العالم الأديب محمد بن أحمد بن ببكر في حق القاضي المختار بن محمد موسى:

على المختار من أسنى السلام *** ســلام كـالمـدام وكــالـــزلال

فـذا المخـتار من أبناء موسى *** فهل تخـفى الظهيـرة بالزوال

فــلا زال المـؤمـل للقـضـايا *** إذا ما المشكلات دعت نــزال

بكم نرجو النجاة من المعاصي *** وأحسن ما يكــون لـدى المآل

وأجابه القاضي المختار بن محمد موسى بقوله:

وأضعاف السلام على المحيي *** سـلام لا يمـاثل فــي الجــمال

محمد الشــريف أخـو المـزايا *** وبحــر العلـم يـقـذف بالــلآلي

فــلا زلت المغيــر للمعاصــي *** تجاهــر مــن تآمــر بانحـلال

وحـبكـم تــوارث مـن جــدود *** كفـى بالحـق مــن قـيل وقـال

أول قضاة إمارة "الترارزة":

عرف علماء هذه البلاد للمختار بن أشفغ موسى قدره ومكانته وإحرازه السبق في تأسيس خطة القضاء في منطقة اترارزه وتواردت على ذلك شهادات أجلائهم، فمنها ما ورد في تزكيات بعضهم لحفيده القاضي محمد موسى بن احْميَّدْ كالعلامة يحظيه ابن عبد الودود حيث يقول: "الحمد لله وحده صلى الله على من لا نبي بعده أما بعد فكون آل المختار بن ألفغ موسى قضاة هذا الإقليم المسمى بالگبْلَ أي أرض تشمشه والمغافرة أي بني أحمد بن دامان وغيرهم من الترارزه مشهور بلغ مبلغ التواتر فيشهد به الغائب..".

وفي تزكية العلامة محمد سالم بن ألما: "الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه وعبده أما بعد فإن جلالة آل ألفغ موسى أشهر من أن تذكر وأوفر من أن تحصر فهم شمس القضاء كاشفة دونها كل حاجب ولهم لواء العلم والفضل في المشارق والمغارب..".

وكذلك فيما كتبه العلامة القاضي سيد محمد "الراجل" بن داداه ونصه: "...كثرة العلم والعلماء في أهل المختار بن ألفغ موسى وتسلسل القضاء فيهم خلفاً وسلفاً لا يصح فيه الإنكار لأنه أوضح من الشمس في رابعة النهار وحامل لواء ذلك في هذا الأوان وآباؤه في ماضي الزمان السيد الفاضل محمد موسى بن محمذ آبَّ وقانا الله وإياه المكاره والبوسى..".

وعلى السنن ذاته نجد العلامة الشريف سيد محمد بن عبد الرحمن بن "آمَّاهْ" بن محمد بن سيد محمد حيث يقول: "...جلالة آل ألفغ موسى واشتهارهم بالقضاء لا يـحتاج إلى دليل... فقد شاع وذاع أن السلطان ولاهم القضاء وصنيع أحمد فال كلما كتب كتاباً كتب فيه كتبه القاضي بن القاضي بن القاضي بن القاضي".

وقد ولي المختار القضاء فترة قاربت ربع قرن أحكم خلالها خطة القضاء وأرسى دعائم العدل وجمع بين القضاء والوزارة إذ وكل إليه الأمير تقسيم أرض إيگيدي بين أهلها الشمشويين واستقرت تلك القسمة وانتظم عليها العمران في هذا الحيز الجغرافي.

وعن تنصيبه للقضاء وقسمته لأرض أيـﮕيدي يروي القاضي محمد مختار "النون" بسند عن قضاة ثقات منهم والده القاضي عبد الل وعمه القاضي محمذن فال ابني القاضي الأمين ابن القاضي المختار بن أشفغ موسى حيث يقول في رسالته إلى جماعة اليعقوبين المعروفة بـ:"اخروفه": "...وقد شهد شهود من "المدلش" وبني ديمان والألفغيين على أن الجهة الغربية من إيگيدي لبني يعقوب ومن القرينة أنها لهم أن "حرمة" أولاد أحمد بن دمان تحملوها للمختار حين غلب قاضي العسكر لأن ملك مراكش شرط على ٱعل شنظوره حين أعطاه العسكر أن يكون في أرضه عالم يغلب قاضي العسكر فلم يقدر عالم أن يذاكره خوفا على نفسه إن غُلب سوى المختار بن ألفغ موسى ومعه "آبَّ" يكتب ويملي له أبوه. فلما غلب المختار القاضي سأل ٱعل شنظوره القاضي فقال: العسكر لمن فقال: لك بسبب شيخك هذا فأمسك بعض العسكر وشيع بعضه إلى مراكش وبعث معه ملكه كتباً للمختار ونصبه للقضاء وتحمل له ٱعل شنظوره بوظيفة جمل وكتب له "كاصا" في جميع السفن أي سفن البحر المالح والبحر العذب. وقد أخبرني بهذا عمي محمذ فال ووالدي. وقال ٱعل شنظوره للمختار: الأرض أرضك وأنت سببها فاختر منها ما تحب أن تسكنه "تشمش" فقال له: نحن وأنتم نسكن جانب إيـﮔيدي فقال: اختر لبني يعقوب منه فقال: اخترنا الجهة الغربية من إيگيدي والتي تليها لبني ديمان والجهة الشرقية للألفغيين.

وقد أخبرني حومللَّ بن سيد أحمد بن أمرابط المدلش أنه سأل أباه سيد أحمد ما شأن "تـﭽاربيت" أهل المختار بن أشفغ موسى علينا ونحن سبقنا "تشمش" للساحل فقال له: لولا المختار بن أشفغ موسى - حين قدم العسكر مع ٱعل شنظوره وقدم لبراكن وكلهم يزعم أن العسكر يكون له على الآخر وغلب المختار قاضيه - لم يسكن أحد من اترارزه ولا طلبتهم في الساحل ولم يبق زاوي له نائبةٌ إلا تحمل "التـﭽـاربيت" وحق له". هـ

ولم يبق من الكتب التي أهدى ملك المغرب مولاي إسماعيل للمختار إلا مصحف مغربي مكتوب بماء الذهب يعرف بـ:"بُودَسْمَ" وهو علق مضنة نفيس يحتفظ بها الموسويون قنية وتبركا وقد وقفت عليه بمكتبة العلامة محمد عثمان بن محيي الدين رحمة الله عليه واللون الذهبي ظاهر في كتابته. ونسخة فريدة من كتاب: "زُبْدَةُ الأوْطَابِ وشفاء الغليل، في اختصار شرح الحطاب على مختصَر خليل" للعلامة محمد بن أحمد مَيَّارَة الفاسي ت:1072 هـ، وقد أوقفني على هذه النسخة النادرة السيد الفاضل اشبيه بن أحمد سالك بن أبوه في مكتبة والده حفظه الله وبهامشها خط القاضي المختار ولعلها أول نسخة تدخل هذا القطر لأن العلامة المختار يكاد أن يكون معاصرا للعلامة ميارة.

وجاء في "المجموعة الكبرى" للدكتور يحي بن البراء: "المختار بن أشفغ موسى... كان منشغلا بالدرس والقضاء علامة زاهدا وكانت تربطه علاقات علمية بعلماء عصره من أهل بلده بل ومن خارجه مثل شيخ المالكية في الديار المصرية محمد الخرشي. استقضاه الأمير التروزي ٱعل شنظوره بن هدي بن أحمد من دامان لما حل ألغاز علماء المغرب العلمية التي بعث بها السلطان العلوي ملاي إسماعيل مع محلة العروسي واشترط السلطان أن المحلة لا تعين إلا للفريق الذي استطاع علماؤه الإجابة عن تلك الإشكالات فظفر ٱعل شنظوره بالمحلة التي استرد بها الإمارة وقد عرفت إجابات المختار فيما بعد بأجوبة "اكتب ورْتخشض" وهي بالصنهاجية تعني اكتب ولا تخش".

وفي تحقيق الدكتور يحيى بن البراء لكتاب "الأنساب" لوالد بن خالنا باختصار: "ولما ضيق لبراكنه الخناق على اترارزه ذهب ٱعل شنظوره الى رجل من أهل الماحي بن الفالل بن المختار اﮔد عثمان بقصد أن يتصرف له باطنيا فاعتذر له بأنه ضعف عن ذلك ودله على المختار بن أشفغ موسى وأخبره أنه عند "نبكة تنياشل" وقال له: إن اعتذر لك فسلمه هذه الحروف فذهب ٱعل شنظورة إلى المختار وقال له غايته فاعتذر فألح عليه وأعطاه الرسالة فاستجاب له وكتب له حرزا وقال له: خذ أربعة رفقاء واذهب الى السلطان مولاي إسماعيل".

وتذكر بعض الروايات المتداولة عند أحفاده أن المختار استعمل بعض الأسرار لإرساء دعائم إمارة ٱعل شنظوره وجَعَلها في وتد ثم ثبته في الأرض وضَمِن له دوام إمارته ما دام ذلك الوتد ثابتا في مكانه، وفي قصة حفيده الشيخ محمد مختار "ابُّـوه" مع الأمير ٱعلي بن محمد لحبيب ما يعضد هذه الرواية، وكذلك فيما كتبه العلامة يحظيه بن عبد الودود ضمن رسالته إلى القاضي محمد عبد الله "دداه" بن أحمد بن ابُّـوه حيث يقول: "... وأوصي به كل من بيني وبينه معرفة أو صحبة أو تلمذة من الترارزة وخصوصا أحمد بن الديد وقانا الله وإياه كـل كيد فصـلاح أمـركم على يد آبآئه وكذا آخركم في ظـني تقبل الله من تقبل كتابي".

وقد استمر المختار في مهامه قاضيا ومفتيا ومصلحا إلى أن توفي عام 1139 هـ عن عمر قارب الثلاث والستين، وهو العمر الشريف المبارك على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم ودفن في "تنياشيل" الواقعة على بعد 24 كلم من قرية "ايديني" على طريق الأمل.

قال العلامة عبد الله الحاج بن المبارك:

بـتنياشـل الأولـى لـوالـد شيـخنا *** وشيخ شيوخ القطر من كل عالم

وقال العلامة ٱمحمَّد بن الطلبه:

ألا حـــي دورا بـتـنـياشـــل *** عـفـت غـيـر آريـها المـاثـل

فلو كنت أبكي لشيء مضى *** بكيـت على دهـرها الــزائل

ويروى أن المختار لما حضرته الوفاة خاطب ابناءه قائلا: أوصيكم بأمرين فيهما صلاح دينكم ودنياكم طلب العلم والاستقامة. وقد أشار إلى هذه الوصية العلامة محمد مولود بن أحمد فال بقوله:

مـــن لــم تكن هــمته التعـلـم *** والاتباع مـن بـني ألـفـغ مـــو (سى)

قـبحــه الحـاكـــم والمـحكـــم *** والأوليـاء والـمقـام الأعـظـم

وليت شعري ما يقول الحكم *** لـــه غــدا إذا عـلــيه يـقــدم

وكان من عجيب المصادفة أن الرجلين الذين ارتكزت عليها إعادة التأسيس للركاب والكتاب أو للإمارة والمعرفة في مجال الترارزة وهما الأمير ٱعل شنطورة بن هدي والقاضي المختار بن أشفغ موسى توفيا في عام واحد سنة: 1139 هـ وفيه أيضا توفي سلطان المغرب المولى إسماعيل بن الشريف.

ثم تكرر الأمر بعد ذلك بقرنين فتوفي العلامة محمد المختار "ابُّـوه" بن حبيب الله بن محمد "آبَّ العَلَمْ" بن المختار بن أشفغ موسى وحفيد ٱعل شنظورة الأمير ٱعل بن محمد لحبيب بن اعمر بن المختار بن الشرغي بن ٱعل شنظوره في عام واحد كذلك سنة 1304هـ فقد جاء في موسعة الدكتور يحيى بن البراء عند ترجمته للعلامة "ابُّـوه" ما نصه: "هو شيخ الأمير التروزي ٱعل بن محمد لحبيب وكان قال له لا خوف عليك ما دمت حيا فلما توفي "ابُّوه" وبلغت وفاته ٱعل هذا قال سأموت عن قريب فمات بعده بخمس عشرة ليلة".

وفي هذا ملمح رمزي لا يغيب عمن يقفون عند الموافقات ورمزيتها الروحية.

عـقـبه:

تزوج المختار من سخنه "تنغوس" بنت يوقب بن المختار العم اليعقوبية. ترجم لها العلامة والد بن خالنا بالعالمة الصالحة حيث يقول: "فائدة دنيوية يحسبها الجاهل فضولا وما لا يعني وتضييع وقت وفساد رق وتسويده بما لا يفيد ولا يعني هي أنه حدثنا العالم الثقة الضابط المحقق محمد بن شيخنا المختار بن الفقيه موسى عن والدته العالمة الصالحة سخنه "تنغوس" عن والدتها السيدة مريم بنت الولي أحمد بزيد أن سمرة الهواء المضرة بمن بات بها تنتهي لدى صيصاء متوسطة بين "تنياشل" و"تمرذل"". هـ

وإتماما للفائدة فـ"تمرذل" ريعة تقع شرقي "تنواكديل" جنوب قرية "ايديني"بحوالي 7 كلم، وردت في قول ٱمحمَّد بن الطلبه:

هـاج المـنازل مـن نعاف عـقـنـقـل *** "تـنـواكـديل" عـقـام شـوق مخـبل

فالريع ذي العرصات فالقاع الذي *** دون الأجـارع مـن أميل "تمرذل"

أنجبت سخنه من المختار أبناء وهم على الترتيب: أحمد تكرور ومحمذ "آبَّ العَلَمْ" والأمين حسبما وقفتُ عليه في وثيقة بخط القاضي حامد بن محمد فال "ببها" بن محمذن بن أحمد بن العاقل جاء فيها: "...وأبناء المختار بن ألفغ موسى ثلاثة أمهم سخن بنت يوقب أكبرهم أحمد تكرور ويليه محمذ الملقب بـ: "آبَّ" ثم الأمين فالمختار دفين "تنياشل" وأحمد تكرور لم يعقب ومحمذ "آبَّ" دفين "انتفاشيت"- معه ثَم أحمد فال ومحمذ فال والمختار بن أيل اليدامي - وألمين دفين "بوتيشطاي".

ولعل القاضي حامد يقصد بعبارة "لم يعقب" أن أحمد تكرور بن المختار انقطع عقبه عند حفيده عبد الحي "أبَّحَيْ" بن ببانه.

وللمختار من البنات: أعشذن فَالَ أم أبناء بوبكر بن أشفغ الأمين بن سيد الفالل الديماني. وفاطمة أم أبناء أشفغ محمد المجلسي التي أنجبت مريم والدة لمجيدري بن حبلل. ومريم أم مريم بنت محمذن بن خيري البهناوي. وفلانة أم المبارك بن حبيب الله بن أحمذنلل بن محمد بن سيد إبراهيم جد الشرفاء "أهل أحمذنلل" يقول العلامة باركلل بن محمذن بن محنض بابه بن اعبيد:

وانــم الـمـبارك إلــى حـبلـلا *** نجل الولي القطب أحمذ نللا

مـن ابنة المختار نجل اشفغا *** مـوسى الـذي بلغ ما قد بلغا

وأخوات القاضي المختار المذكورات في أول هذه الترجمة منهن: خديجة أم أبناء حبيب بن حميد بن أﮔدوبك اليدامي. وكوكه أم أبناء اعمر بن محم المجلسي. وفلانة أم محمذن والحاج أبني خيري البهناوي وفلانة أم بعض أبناء الشريف أحمذنلل بن محمد بن سيد إبراهيم يقول العلامة باركلل بن محمذن بن محنض بابه:

حبــلل من ســليلة الفقـيـه *** موسى هو الثالث من بنيه

وللقاضي المختار من الأخوة اثنان:

الأول من جهة الأب وهو العلامة: الفاضل "الفالل" وأمه مريم بنت محنض ابن أبي موسى ومن عقبه العلامة لمجيدري وشقيقه العلامة أحمد تكرور والعلامة محمذن بن أحمد مولود الملقب "امهيريز العلم".

والثاني من جهة الأم وهو الشهيد: محنض الغالي بن أحمد دولة اليدامي استشهد في ريعان شبابه يوم اعْليبْ الغـظيَ.

قال العلامة المؤرخ المختار بن چـنـﮓ:

كذا محنض ان دول صنو القاضي *** مخـتارنا سليـل مـوسـى الــراضي

وهـــو الــذي أخبــر أمــه الامــام *** بقـتـل مغـفـــر لــه وهـــو غـــلام

وأمـــه خـــالة ذ القـطــب الــزكي *** حـنانـــة بنــت الـفـقـيه أبـــوبـــكـ

وعرفت ذرية سخنه بنت يوقب من المختار بالعلم والصلاح فكان ذلك مصداقا لكشف جدها الولي أحمد بزيد، فقد نقل العلامة والد بن خالنا في كلامه على كراماته رضي الله عنه ما نصه: "فمنها أن ابنته مريم كان يثني عليها خيرا ويطريها أي إطراء ويباهي بفضلها ويقول: ابنتي هذه كناقة بني فلان والناقة قيل إن أهل "إدارجَ" حجوا على ظهرها مرارا سبعا أو تسعا ثم لما كان يوم موتها أخذت تشحط فبينما هي تعالج سكرات الموت وتتقلب يمنة ويسرة إذ أثارت لهم برجلها قلة مشحونة من نفيس الذهب الإبريز. وبيان تشبيه المرأة بها ووجه التناسب بينهما أن المرأة لما ولدت أولادها وانقضت سنو ولادة أمثالها زعمت هي والناس قاطبة أنها أنهت الولادة فدامت كذلك عشر سنين ثم ظهر بها حمل واشرأبت إليه الأنفس فمنهم قائل: إن لهذا الحمل لشأنا ومنهم قائل لعله الذي يشير إليه أحمد بزيد. ثم قدر الله منه جارية فتزوجها الفقيه المختار فكان منها ما ترون والحمد لله من أئمة علماء أجلة فضلاء متعنا الله بهم وأفاض علينا من بركاتهم وجاد لنا بكثرة أمثالهم آمين فكان هذا مصداق قول أحمد بزيد".

وقد دفنت سخنه بجنب القاضي المختار بـمدفن "تنياشل".

حدثني شيخ محظرة "انتفاشيت" محمذن فال بن آبَّ عن الفقيه محمد الأمين "النيه" بن التَّمينْ عن والدته مريم بنت محمذ آبَّ بن احْميَّدْ واشتهرت في محيطها بالضبط ودقة النقل أن "آبَّ العَلَمْ" كان كثير التردد إلى "تنياشل" بقصد الزيارة وأنه ربما غاب عن حيه بانتفاشيت على وجه التريض المعتاد عند أهل هذه البلاد وفي بعض الأحيان يطول انتظارهم له فيسألونه عند قدومه أين كان فيرد عليهم: "كَنْت امـﮕيل عند خَـيـمَـتْـنَ" على أن المسافة بين "انتفاشيت" و"تنياشل" تربو على 35 كلم:

قطعت الأرض ذا سير حثيث *** كلمح البـرق حُبا فـي التـلاقي

فـقال لـي العـذول وقـد رآني *** سَبـوقــاً للمـضمــَّرة الـعـتاق

ركبت على البراق فقلت كلا *** ولكنـي ركبت على اشـتياقي