إعلانات

إنهم فتية آمنوا بربهم

أربعاء, 10/09/2025 - 00:38

 

الدكتور محمد صبحي أبو صقر

قريب الظهر، حين كانت الشمس تلقي خيوطها الذهبية على الدوحة، وقعت الحادثة التي لم تكن صدفة في كتاب القدر، بل كانت موعدًا مع الشهادة. خمسة فتية، ملامحهم تحمل صفاء الإيمان، وعيونهم تعكس حنينًا أبديًا لفلسطين، اجتمعوا في لحظة لم تكن عابرة، لحظة كتبتها السماء بمداد الدم.

امتدت يد الغدر الصهيونية، تلك اليد التي لم تعرف إلا الخيانة، فأطلقت رصاصها الجبان ظنًّا أن الموت سيطوي صفحة المجاهدين. لكن الرصاص لم يقتلهم، بل حررهم من قيود الأرض، وفتح لهم أبواب السماء. لقد رحلوا وهم يبتسمون، كأنهم كانوا يرون مقاعدهم وقد أُعدّت عند مليك مقتدر.

كان المشهد عظيمًا، دماؤهم اختلطت ببعضها وكأنها تعلن وحدة القضية، وحدة الطريق، وحدة الميثاق. لم يكن أحدهم شهيدًا لنفسه فقط، بل كانوا جميعًا شهودًا على زمنٍ يتهاوى فيه العدو، ويعلو فيه صوت الحق رغم الجراح.

أما الصهاينة، فقد خرجوا من جريمتهم منكسرين، خاسئين، كمن طعن في وضح النهار ثم ارتدّ على عقبيه مذعورًا. لقد أرادوا أن يزرعوا الخوف، فإذا بالدماء تزرع الأمل. أرادوا أن يصنعوا نصرًا وهميًا، فإذا بالخذلان يلاحقهم حتى بين أعين حلفائهم. لقد أدركوا متأخرين أن كل رصاصة اغتيال هي إعلان ميلاد لآلاف المقاومين الجدد، وأن كل دمعة أمّ ستتحول إلى صرخة توقظ أمة بأسرها.

في البيوت، علا النحيب، لكنه نحيب ممزوج بالفخر. الأمهات أمسكن صور أبنائهن وقلن: “هؤلاء أبناؤنا، لكنهم ليسوا لنا وحدنا، إنهم للأمة كلها.” الأطفال ردّدوا أسماء الشهداء كما لو كانوا أناشيد الصباح. والشيوخ رفعوا أيديهم بالدعاء: “اللهم تقبلهم في الشهداء، واجعل دماءهم لعنة على من قتلهم ونورًا لنا نهتدي به.”

وفي المقابل، جلس العدو على رماد فشله. لا انتصار يزين وجهه، ولا هيبة تستر عاره. لقد أضاف إلى سجل اغتيالاته جريمة جديدة، لكنه لم يدرك أنه يضيف معها شاهدًا جديدًا على ضعفه، ووثيقة جديدة على جبنه.

رحل الشهداء الخمسة، لكنهم لم يغادروا. ما زالوا بيننا، في كل قلب ينبض، في كل يد تُرفع للسماء، في كل هتاف يدوّي بالحرية. لقد كتبوا بدمائهم قصة لن تُمحى: قصة فتية آمنوا بربهم، فزادهم الله هدى، ورفعهم إلى مقعد الصدق عنده، وتركوا خلفهم أمة تتعهد ألا تترك دماءهم تذهب هدرًا.

هكذا، عند الظهر، لم ينطفئ نور خمسة شباب، بل أُوقدت شعلة لا تنطفئ. شعلة تضيء طريق الأحرار، وتلعن وجه العدو إلى آخر الزمان.

محمد صبحي أبو صقر