إعلانات

لحوار: دعوة وطنية ومسؤولية جماعية

أحد, 31/08/2025 - 23:52

محمد عبد الله بليل

كاتب صحفي

 

هل نحتاج حقًا إلى التساؤل عن أهمية الحوار وجدوائيته في واقعنا الوطني الراهن؟ إن طرح هذا السؤال قد يبدو مستغربًا، لكن الجواب عليه يكتسب أهمية مضاعفة حين نُدرك أن الحوار لم يَعُد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية تُحتِّمها التحديات، ويُبرِّرها حرص كل الأطراف على الاستقرار، والتنمية، وبناء مؤسسات قوية تمثل الجميع.
في هذا السياق، تأتي الدعوة التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى حوار وطني شامل، بوصفها خطوة شجاعة ومسؤولة تستحق التفاعل الإيجابي والانخراط الجاد. وقد عيّن الرئيس منسقًا لهذا الحوار هو السياسي المعروف موسى افال، صاحب التجربة الطويلة والرصيد المهني الذي يُؤهله لإدارة هذا المسار بروح توافقية وانفتاح حقيقي.
ولم يكتف المنسق بتكليفه الرمزي، بل بادر إلى تشكيل فريقٍ فنّي يُعِينُهُ على تحضير الحوار، واتَّخَذَ مقرًا مخصصًا لاستقبال المقترحات ومتابعة المشاورات. كما فتح الباب واسعًا أمام الراغبين في الحوار، مُستقبِلاً آراءهم مكتوبةً وشفهيةً، في دلالة واضحة على جدية هذا المسار وانفتاحه على الجميع دون استثناء.
ولعل أبرز ما يميز هذه الدعوة هو الطابع التوجيهي الأسلوبي الذي أراده المنسّق، حيث طرح حزمة من الأسئلة المركزية: ما هدف الحوار؟ ما مواضيعه؟ من هم المشاركون فيه؟ ما منهجيته؟ وكيف نضمن متابعة تنفيذ مخرجاته؟ هذه الأسئلة لا تُجيب فقط على الهواجس التقليدية التي ترافق أي حوار، بل تؤسس لفهم جديد: أن الحوار لن يكون بإملاءات فوقية، بل سيكون عملية تشاركية خالصة، يتصدرها المتحاورون أنفسهم، وهم من يقترحون، ويحددون، ويتابعون.
من هنا، فإن مسؤولية النخبة والمثقفين وقادة الرأي تتضاعف. فليس مطلوبًا منهم سوى المشاركة الجادة، وتقديم الأفكار والمقاربات العملية التي تُثري النقاش، وتُسهم في صياغة تصور وطني جامع. وهم أهلٌ لذلك، بما يمتلكونه من وعي، وتجربة، وحرص على مصلحة البلاد.
ولا ينبغي أن نغفل أن الدعوة إلى الحوار ليست مجرّد خطوة سياسية، بل هي واجب شرعي وأخلاقي قبل أن تكون خيارًا ديمقراطيًا. فالإسلام يدعو إلى التشاور، قال الله تعالى: (وشاورهم في الأمر)، ووصف الأمة المثالية بقوله: (وأمرهم شورى بينهم). والحوار في جوهره ليس سوى مظهر من مظاهر الشورى، ومنهج إلهي، كما يدل عليه حوار الله تعالى مع الملائكة الكرام في شأن استخلاف آدم عليه السلام.
وإذا كنا نُدرك أن الرئيس لا يسعى إلى احتكار الرأي، بل يفتح بابه للجميع ويُصغي إلى مقترحات النخبة، فإن دعوته للحوار تأتي استكمالًا لهذا النهج، ورغبة منه في التوصل إلى رأي وطني جماعي، لا رأي فردي أو انتقائي. وربما لو توصلت النخبة سابقًا إلى توافق جامع حول القضايا الوطنية الكبرى، لما كانت الحاجة ملحة إلى هذا الحوار أصلاً.
إن الوطن اليوم في حاجة إلى وعي جماعي يُعْلِي من قيمة التفاهم على حساب التنازع، ومن شأن هذا الحوار - إن أُخِذَ على محمل الجد - أن يؤسس لمرحلة جديدة من العمل المشترك، والتخطيط الشفاف، والبناء القائم على إرادة الجميع.
فهل نرتقي جميعًا إلى مستوى اللحظة؟ وهل نغتنم هذه الفرصة التاريخية لنجعل الحوار طريقًا إلى مستقبل تتسع فيه موريتانيا لكل أبنائها، مهما اختلفت آراؤهم وتوجهاتهم؟ الجواب العملي لا يكون إلا بالمشاركة الصادقة، والمساهمة البناءة.