
تُعد الكتابة من أسمى أشكال التعبير الإنساني وأكثرها تأثيراً، فهي ليست مجرد تدوين للكلمات، بل هي فعل يحمل في طياته مسؤولية جسيمة وأمانة عظيمة.
فبين يدي الكاتب تكمن القدرة على تشكيل الوعي، وتوجيه الرأي العام، ونقل المعرفة، مما يفرض عليه واجبا أخلاقيا ومهنيا بتحري الصدق والموضوعية في كل ما يخطه قلمه.
إن المسؤولية في الكتابة تبدأ من لحظة تشكل الفكرة في ذهن الكاتب، فقبل أن يبدأ في نسج جُمله، عليه أن يتأمل الغاية من كتابته، والرسالة التي يريد إيصالها، هل يسعى إلى تقديم الحقائق كما هي، أم يحاول الترويج لوجهة نظر معينة على حساب أخرى؟ هل يهدف إلى إثراء النقاش، أم إثارة الجدل بلا طائل؟ هذه التساؤلات الأولية هي أساس البناء الأخلاقي لأي نص مكتوب. فالكاتب مسؤول عن كل كلمة يختارها، وعن كل فكرة يطرحها، وعن الأثر الذي ستتركه هذه الكلمات والأفكار في عقول قرائه.
تتجسد الأمانة في الكتابة في الالتزام بالصدق المطلق، وهذا يعني أن على الكاتب أن يتجنب تزييف الحقائق، أو تحريف المعلومات، أو اقتطاعها من سياقها لتخدم غرضاً معيناً.
الأمانة تقتضي أيضاً الإشارة إلى مصادر المعلومات والأفكار التي استقى منها الكاتب مادته، حفظاً لحقوق الآخرين واعترافاً بجهودهم. فالسرقة الأدبية أو الانتحال لا يعدان فقط مخالفة أخلاقية، بل هما خيانة للأمانة الموكلة إلى الكاتب.
أما تحري الصدق والموضوعية، فهما ركيزتان أساسيتان للكتابة الجادة والمسؤولة.
الصدق يعني نقل الواقع كما هو، دون تلوين أو تشويه، حتى لو تعارض مع قناعات الكاتب الشخصية أو مصالحه، والموضوعية تتطلب من الكاتب أن ينظر إلى الأمور من زوايا متعددة، وأن يقدم الحجج والبراهين المؤيدة والمعارضة، وأن يترك للقارئ حرية تكوين رأيه الخاص بناءً على معلومات متكاملة وشاملة.
هذا لا يعني أن الكاتب لا يمكن أن يكون له رأي أو وجهة نظر، بل يعني أن عليه أن يقدمها بشكل واضح وصريح، وأن يميز بين الرأي والحقيقة، وأن لا يفرض رأيه على القارئ كحقيقة مطلقة.
في عالم تتسارع فيه وتيرة انتشار المعلومات، وتتعدد فيه مصادرها، يصبح دور الكاتب المسؤول أكثر أهمية من أي وقت مضى، فالكتابة ليست مجرد حرفة أو هواية، بل هي رسالة نبيلة تستلزم وعياً عميقاً بالمسؤولية والأمانة، والتزاماً لا يتزعزع بتحري الصدق والموضوعية، هذه المبادئ ليست قيوداً على حرية التعبير، بل هي أسسٌ لبناء الثقة بين الكاتب والقارئ، وسبيل لتقديم محتوى يرتقي بالوعي، ويثري الفكر، ويساهم في بناء مجتمع يقوم على المعرفة والحقيقة.
يقول أحدهم:
وما من كاتب إلا سيبلى *** ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه.
إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي