
اختار الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أن يضع بلاده في موقعٍ استراتيجي ضمن المشهد الدولي المتقلب، مخاطبًا أحد أكثر رؤساء العالم إثارة للجدل، بلغة تخلو من التصنّع و بسمت يخلو من مساحيق التجميل. غير أن بعض الآراء الغريبة آثرت أن تحمّله وزر سوء أخلاق مضيفه.
لقد قيل إن ولد الغزواني كان مسهباً في خطابه إلى حد أزعج ترامب، وكأن اللياقة تقتضي من رئيس دولة أن يختصر حديثه إرضاءً لطبع رئيس قُلّب! والحقيقة أن ضبط النفس والاتزان ليسا ضعفًا، بل فضيلة تُختبر حين يُواجه الوقار بالازدراء، والتأني بالضجر. لم يكن الغزواني يستعطف أحدًا، بل كان يقدّم بلدًا، ويشرَح موقفاً، ويشرّح حالة.. و هو في رأيي لم يطل فيملّ ولم يوجز فيخِلّ..
أما التهكّم من وصفه لموريتانيا بأنها “بلد صغير”، فطعنٌ في غير مَطعَن. فالرئيس إنما حدد السياق: نحن بلد صغير بعدد سكانه، كبير بموارده وموقعه وطموحه. و ما في الوصف بقلة عدد السكان من عيب:
بغاث الطير أكثرها فراخاً// و أم الصقر مِقلاة نزور
(أرجو أن لايثير ذكري "الصقر" هذه المرة، زنابير الفايس من أعشاشها، رغم قناعتي أن ترامب غراب أبيض، تماماً مثل البجعة السوداء في رواية الكاتب الأمريكي اللبناني الأصل نسيم نيكولا طالب)
تعيّرنا أنا قليل عديدنا// فقلت لها: إن الكرام قليل
الدول تُقاس بأثرها لا بعدد سكانها؟
أوليست سنغافورة وقطر ورواندا تجارب ناجحة، رغم هذا “الصغر” الذي يثير سخرية الجِراء و هو تنبح البدر ليالي أُضحيان؟
ثم إن تسويق الوطن — كما فعل ولد الغزواني — لا يعني “بيعه ” كما زعم هؤلاء . و إنما هو عرض للفرص، وتسويق للاستثمار ، ولفت للاهتمام. وهل من قائد لا “يبيع” بلاده بهذا المعنى "الماركتينغي"؟ فمن لا يفعل ذلك، يبقى متفرجًا في طوابير لا تنتظر الواجمين أمام السلالم.
وفي خضم كل ذلك، طفت على السطح شائعات أخرى تزعم سعي موريتانيا نحو التطبيع، استنادًا إلى ترهات و أراجيف صحفية لا دليل عليها. الرد الرسمي كان قاطعاً، ورفض اللقاء المزعوم مع رئيس وزراء إسرائيل لا يحتمل تأويلاً. أما استثمار زيارة الغزواني لترويج أجندات خارجية فليست سوى محاولة لتعكير نمير المياه الدبلوماسية الرقراقة.
في النهاية، ليست كل مجاملة تنازلاً. . هناك رئيس ذهب ليتحدث عن بلده.. حاملا معه طموحاً يخرج موريتانيا من عزلتها الناعمة إلى مرمى الرؤية الدولية.
ومن لم يفهم ذلك، فربما عليه أن يتعلم كيف يُخاطب العالم...