
موريتانيا ليست بلدًا هامشيًّا ولا نشازًا في الجغرافيا. إنها دولة التاريخ الصامت، والصبر الطويل، والسيادة التي لا تُشترى. بلاد الفقهاء الذين علّموا الصحارى معنى النور، والشعراء الذين صنعوا من الرمال منابر للحكمة.
لقد زار رئيسنا الولايات المتحدة، كما يزورها رؤساء العرب والأفارقة، لا ليستجدي، ولا ليُوقّع ما يُخالف الضمير، بل ليطرق أبواب الشراكة، ويُبلّغ صوت الدولة الصغيرة ذات الكبرياء الكبير. فهل باتت كل زيارة إلى الغرب تهمة؟ وهل صار من يقابل مسؤولًا أمريكيًّا مشبوهًا بنظر من يكتب من وراء الحجاب الإعلامي؟
موريتانيا تقف مستقلة، تصنع قرارها، وتختار شراكاتها بعيدًا عن التبعية أو الاصطفاف الفارغ؟
إننا نعرف أن هناك من لا يُسعدهم أن يرى انواكشوط تُجالس واشنطن دون وصاية، وتُفاوض على مصالحها دون إذن.
ونقولها بلا تلعثم، وبصوت مسموع: موريتانيا ليست في وارد التطبيع مع الكيان الصهيوني، لا الآن ولا غدًا.
ليس فقط لأن في ذلك خيانةً لمبدأ، بل لأن التطبيع عند الموريتانيين خطيئة لا تُغتفر، ما دامت إسرائيل تحتل أرضًا عربية، وتُدنّس مقدساتنا، وتُنكّل بأهلنا في غزة والضفة والقدس.
ومَن يعرف هذا الشعب، يعلم أن فلسطين في ضميره لا تُمثّل ورقة في مداولات السياسة، بل نداءً دائمًا لا يخبو.
إن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني المعروف باعتداله السياسي وتمسكه بالثوابت القومية، لم يتزحزح يومًا عن موقفه الداعم لفلسطين، ولم تخرج من فمه ولا من حكومته أية إشارة توحي بانحراف عن هذا الخط.
نكتب لا لنُسيء، بل لنحفظ للموقف وزنه. نرد لا لأننا ضعفاء، بل لأننا نرفض أن تُختزل صورة وطن كامل في سطر غامز، أو تُعلّق على زيارته السيادية تهمة عابرة.
موريتانيا تُبني بمبادئ، لا بمواقف اللحظة.
وتُقرأ بتاريخها، لا بتغريدات تُكتب من وراء حجابٍ سياسي.
إن أردتم الحقيقة، فموريتانيا لم تطلب أبدًا شهادة من أحد، ولن ترضى أن يُملي عليها أحد مَن تزور ومَن تُحادث.
هي تسير على خطّها، لا تميل حيث مال الريح، ولا تتّبع ظلًّا ممدودًا.
تُجالس الكبار، وتحاور الشركاء، وترفع علم فلسطين في قلبها كما في شوارعها، ولا تحتاج لمن يُذكّرها بمَن كانت دائمًا معهم، في السرّاء والضرّاء.
الداه صهيب