إعلانات

حساب الربح والخسارة في حرب 12 يوما

أربعاء, 25/06/2025 - 00:38

د. محمد ولد أحظانا

 

دخول:

لا تزال الأطراف التي تحاربت بضرواوة على مدى 12 يوما، في الشرق الأوسط، تحصي خسائر وتدعي أرباحا، دون أن تصبح صافية بعد.

وبما أنني أنتمي لمنعزَل من الأرض والاهتمام، ولا يترتب على ما سأقوله أي شيء ذو بال، فإنني أبيح لنفسي أن أحلل ماجرى في هذه الحرب الهجينة، مع تعللي المسبق، فيما بيني وبين ذاتي، "أن قرائي نوعيون"، حتى أتجنب إحراج كم المتابعين (المحمود لله).

ولأنني، ولأنكم، أحيانا، تحدثون باهتمام شخصا أو شخصين أو جماعة محدودة بما ترونه، فإنني أكتب لمن يقرأني مشكورا، متمثلا بشأن الوفرة في المتابعين بنهي الآية الكريمة: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا.. الآية).

المعالجة

أرى أن حرب 12 يوما، على وزن حرب الأيام الستة، طرحت عدة أسئلة فورية، مهما كانت نتائجها النهائية، سأحاول الإجابة عليها مما عندي:

-السؤال الأول: من ربح ومن خسر في هذه الحرب؟

-السؤال الثاني: ما هي التأثيرات الحينية التكتيكية، والبعيدة الاستراتيجية للحرب، على الأطراف والسرديات السائدة لديهم؟

أولا: حساب الربح والخسارة:

في الحقيقة، ليست هناك إمكانية لحصر صافي الربح والخسارة في هذه الحرب المعقدة إلا من جانب الأطراف المستفيدة والمتضررة، لأنها تميزت بميزتين:

ادعاء الانتصار؛

وتطفيف الخسارة.

ولذا فليس لنا من المصادر المعنية معطيات كافية لحساب دقيق.

لكن ثمة ما يفهم من أحوال الأشياء. وبناء عليه أرى:

 

الخسارات الإيرانية الأساسية

خسرت إيران إجمالا في:

- العنصر البشري النوعي، حيث فقدت رصيدا بشريا ثمينا من قادتها وعلمائها.

- منشآت وبنيات تحتية مدنية وعسكرية.. وقد خسرت فيها إيران خسارة معتبرة. وإن تكن دون ماتدعيه إس.. رائيل وأميركا، فهي فوق ما تعترف به إيران.

- الخسارة في رصيد سمعة النباهة المتوقعة، حيث خدعهم اترامب ثلاث مرات. أصالة عن نفسه في الأولى؛ بالمفاوضات غير المباشرة معهم حتى هاجمتهم إسرائيل؛ وبالمعلومات والوعود المضللة المصاحبة. فلدغهم أولا من ذلك الجحر؛

و لدغهم ثانية من نفس الجحر بمفاوضات الاتحاد الأوروبي نيابة عنه، مع إيران حتى دخل الحرب فجاءة.

ولدغهم ثالثة، عبر الحيل الإعلامية بأكاذيب عن تاريخ ضربة المفاعلات النووية ووجهة طائرته حتى استغفلهم وضربهم.

وكانت الخسائر من هذه اللدغات الثلاث شديدة السُّمية والتأثير، مما شكك في نباهة القيادة الإيرانية، وجعلها تخسر سمعة النباهة الأمنية والسياسية، وهي ليست أقل الخسارات شناعة للزعامات.

وتمثل عدم النباهة الأمنية أيضا، في التغلغل الهائل لعملاء وجواسيس أعدائها، ومراكمة إمكانياتهم ونفوذهم الميداني منذ وقت غير يسير، وحضورهم وتنسيقهم بصورة كثيفة، وخطيرة جدا.

- خسارة سمعة الحنكة في التوازن بين الدفاع والهجوم. فقد كانت رغبة الهجوم عند المخططين الإيرانين أولى من حاجة الدفاع، مما كلفهم خسارة كبيرة. وهو خلل حربي استراتيجي في التخطيط، كان عليهم تلافيه.

فثمة إذن خسارة معتبرة في التخطيط الحربي المتوازن، ترتبت عليه خسارات مضاعفة، كادت تقود إلى اختلال خطير أثناء المعركة.

من منطلق أن الخسارة خسارة سواء كانت مادية أو منهجية، أو معنوية.. فهذا مجمل أهم الخسارات الإيرانية في حرب الإثني عشر يوما.

 

 

أرباح إيران من الحرب

حسب ما نفهم من آثار بادية أو تطل من وراء النتائج المباشرة أن إيران ربحت من الحرب مع إسرائيل أرباحا متعددة، نوجزها في المجلات الآتية:

- ربحت إيران أول ماربحت اكتشافها المتأخر لحجم المؤمرة الإسرائي..لية على أمنها، حيث كان باستطاعة أذرعها عل الأرض الإيرانية أن تقوم بانقلاب دموي على النظام حين تشاء. وقد كشفت الحرب عن أذرع هذا الأخطبوط الهائل عند نشوب الحرب.

- حصدت إيران تأييدا غير مسبوق من الجماهير السنية في أنحاء العالم العربي والإسلامي، مما ضيق الشرخ السني الشيعي الفرقي الذي المخطط له غربيا، بحيث يكون العداء بين الفرق الإسلامية فوق العداء للصهي..ونية المحتلة، وأكثر أولوية. وهذا ربح استراتيجي معتبر حققته إيران من حربها ضد إس..رائيل هي وتحالفاتها الشيعية المذهب في اليمن ولبنان، والعراق.

- مما ربحته إيران هيبة الصمود أمام إس..رائيل وأمريكا، وشرف مجالدة الهيمنة العالمية والإقليمية.

هذه الهيبة أكسبت إيران بطاقة تعريف جديدة وهي أنها قوة إقليمية لابد أن يحسب لها حسابها. ومانالته عيران من هيبة فقدته إسرائي..ل في الإقليم والعالم. وهذا مكسب استراتيجي.

- سمعة تعويض المساندة العربية لغ.زة، ومساندة مقاومتها، وهو مستجد معتبر حيث كانت الحروب من أجل فلسط..ين.. قضية العرب الدائمة. وأصبحت هنا قضية دول إسلامية، مما يعني أن البوابة انفتحت لباكستان وغيرها في الدورات القادمة.

وهذا ربح استراتيجي ملفت للانتباه.

- ربحت إيران أنها استحصلت تكافؤا عسكريا مع إسر..ائيل لوحدها مع أن وراء عدوها الغرب كاملا.

وقد حطت من القيمة التداولية لسطوة إسرا..ئيل العسكرية في بورصة الغطرسة الإقليمية بالمجالدة الحامية. وإخسار إسرا..ئيل خسارة كبيرة، سنتخدث عنها في ما يخص خسارات إسرائ..يل في الحرب.

- ربحت إيران كذلك الاتصاف بصفة الشجاعة والجسارة بضربها لأكبر قاعدة أمريكية خار الأرض الأمريكية، مما يعني أنها تجاوزت عقدة الخوف أثناء الضربة.

- مهدت إيران لتجسيد حلف شرقي يملك من أسباب القوة ما يكرس حلفا نظيرا للحلف الأطلسي (روسيا- الصين- كوريا الشمالية- والباكستان). هذا الحلف كان سيقطع خطوات متسارعة إلى الأمام لو طالت الحرب، ولكن الوعي بضرورة التحالف الشرقي نضجت تماما.

- استعاد النظام الإيراني تعاطف ومؤازرة أغلبية الشعب الإيراني بما في ذلك معارضته الوطنية في الداخل والخارج، حيث انتعشت الأنفة الوطنية في نفوس أغلبية المواطنين الإيرانيين.

- ربحت إيران التخلص أو التحلل من وكالة الطاقة الذرية التي تلعب أدوارا مشبوهة لاتخفى على أحد ضد إيران، كما وشى بذلك الأرشيف الإس..رائيلي الذي غنمته إيران أخيرا.

- ربحت إيران الصورة المكافئة للتدمير والفزع والهجرة مماحقق لها توازن الرعب ليس مع إس..رائيل وحدها وإنما مع أمريكا الإقليمية ذاتها من خلال إمكانية إيذائها مباشرة.

كما أن إصرارها على الضربة الأخيرة لكل من أميركا وإسرائ..يل دعم توازن الرعب والتكافؤ الفعلي في النهاية.

- ربحت المنطقة وإيران أنها نجحت في إيقاف مسلسل إس..رائيل التوسع في عدوانها لتأديب وتذليل كل جيرانها في الإقليم، وبددت طابور المستهدفين الذي كان سينساح إلى دول أخرى مثل مصر والسعودية والعراق، وتركيا.. لو انتصرت إسرا..ئيل انتصارا معتبرا.

- ربحت إيران نجاتها ونجاة برنامجها النووي والصوارخي المتطور من الضربات الإسأمريكية.

هذه هي أهم المكاسب الإيرانية من حرب الإثني عشر يوما كما بدت لي.

وسأتطرق ليلة غد إن شاء الله إلى خسارة إسرائيل من الحرب التي بدأتها بنشوة وأنهتها إيران بعنفوان.. وإن بثمن غال لكنه مربح في النهاية.

 

 

ماذا خسرت إسرائيل في حربها على إيران؟

عادة تكون الدولة المبادرة للحرب هي الأكثر مظنة للربح لأنها تكون قد حسبت وتحسبت لكل الملابسات والظروف والطوارئ، واحتاطت لكل شيء.

فهل هذا هو الواقع بالنسبة لنتائج حرب إسرائيل على إيران؟

أولا: الخسارة؟

يمكن أن نحصر أهم الخسارات الاستراتيجية بالنسبة لإسرا..ئيل في هذه الحرب العنيفة، ومنها:

- خسارة صورة التفوق المطلق

خسرت إسرائ..يل صورة القوة الاستراتيجية المطلقة في المنطقة والعالم من ثلاثة أوجه:

* وجه الدفاع عن الأرض الإسرائيلية المخمية حماية كاملة، حيث هشمت إيران أنف نتن.. ياهو بصور الدمار الهائل في كل المدن والقواعد العسكرية، والعمارات الشاهقة، والمصانع والمعامل، حتى أعادت صور الخراب فيها صور حطام غ.زة.

* وجه الارتباط بالأرض، حيث ظهرت بجلاء هشاشة العلاقة بين الإس..رائيلي والأرض التي يحتلها، لما خرج في شكل موجات وهو لايلوي على شيء. مقابل صورة إنسان.. غز.ة المجبول من أرضه راسخا عليها. وبضدها تتميز الأشياء.

* وجه الاعتماد المذل على أميركا والغرب للحاجة الماسة إليهما، بعد المكابرة بالاستغناء عنهما والاستعلاء عليهما بالدعاء التفوق المطلق في القوة والذكاء، زيادة على التشدق ب "الدفاع العظيم" عن الحضارة الغربية وقيمها كما تغنى النتن..ياهو بذلك كثيرا..

- خسارة الإحساس بأمان الحدثان و طمأنينة البطر، حيث حل الهلع والجزع ومظاهر الجبن الفاضح في نفوس كل الإسرائي..ليين، محل ادعاء الشجاعة و الجسارة، والتوازن، حتى تحول سلوكهم أمام الكامرات إلى مسخرة في عيون العالمين.

- خسارة الوكالة عن الغرب في الشرق الأوسط باعتبار الكيان رأس حربة لمكافحة "المتوحشين والظلاميين،، ومشعل النور الوحيد في المنطقة".

- حصول الانكسار النفسي واستعادة ذاكرة الاضطهاد التاريخي، بما يترتب على من ارتجاج الذات العميقة للشخصية الصهيو..نية ارتجاجا زلزاليا.

- خسارة مضاعفات الضربة الأولى حيث استعادت إيران تماسكها وبدأت تكيل الصاع صاعين، وسادت إيران سماء الكيان بنفس درجة سيادته هو على سماء إيران.

- خسارة القاعدة الاستخبارية الموسادية العتيدة في إيران، فقد انكشف أغلب أتباعها في مفاصل النظام الإيراني وأحوازه.

- خسرت إسرا..ئيل كذلك سمعتها الحربية بصورة حقيقية لايمكن ترميمها بسهولة.

- خسرت أيضا كل أهدافها الاستراتيجية، وهذه هي الأهم؛ وهي: إسقاط النظام الإيراني مباشرة أو بتثوير الشارع عليه - تدمير برنامجه النووي- تدمير برنامحه الصاروخي- تنصيب مملكة الفهلويين في طهران- ترويع المحيط العربي لابتزازه؛ بل و استعماره عمليا- مواصلة برنامج إسقاط الأنظمة العربية والإسلامية المخالفة والموافقة معا، واحدا إثر الآخر عبر الاستفراد والتآمر وتأليب الغرب على إعادة الوصاية على العالمين العربي والإسلامي من جديد.

- خسرت إسرائيل جزء كبيرا من صورتها المثالية الفائقة الحمائية في آميركا والغرب، وبرزت إيران لاعبا حقيقيا منافسا لها في أذهان النخبة الغربية.

هذه بعض الخسارات البادية، من الحرب التي انهزمت فيها أهداف إسرائيل هزيمة نكراء، ولا هزيمة أشد من هزيمة الأهداف.

وقد تكون ثمة مضاعفات أخرى تظهر مع الأيام.

وكما أصبحت أحياء راقية من تل آبيب وغيرها أطلالا موحشة، فقد انهدمت إسرا..ئيل المتفوقة الحصينة التي لا تقهر من وراء جدرها انهداما عميقا في نفوس أهلها.

ولعل تهشم هذه الدولة الجائرة في تلك النفوس المتغطرسة أشد من تهشم الزجاج في شوارع تل آبيب وحيف، وبئر السبع، بفعل الصواريخ الإيرانية الفرط الصوتية.

لقد تحطم الهيكل الثالث في الوعي وتناثرت حجارته، وأصابت شغاف نفوس الصهاينة بجراح غائرة نازفة، سيبرح فيها الخافي بعد حين.