إعلانات

انتهت "حرب الإثني عشر يوماً"

اثنين, 23/06/2025 - 23:47

أبو العباس أبرهام

 

انتهت "حرب الإثني عشر يوماً". هكذا يبدو. كانت حرباً غير تقليدية، من حروب القرن. وكانت شبيهة بحرب الهند وباكستان، أو تلك التي بين أرمينيا وأذربَيْجان: بمعنى أنّ الطرف "الأضعف" فيها فاجأ "الغاِلِب" ببعض الألاعيب في كمّه. أرادوها أن تكون كالنكسة لما استغلّوا خدعة حربية أميركية وثورة تقنية واختراقاً استخباراتياً وطابوراً خامِساً إيرانياً ومُهاجِراً. وما هو أهمّ من ذلك كان جحافِل الإنهزامية والطائفية التي كانت مهووسة بالانكسار الإيراني. وكانت، عن وعي أم بدونه، جزءاً من الإعلام الحربي الصهيوني. وكانوا يزعمون الحيادية بين "الظالِميْن". ولكنّ الحقيقة أنّهم كانوا يدعمون أحدَهما، وبالصدفة ألعنَهما. ولم يتباكوا على مئات المدنيين الإيرانيين الذين قتلتهم إسرائيل عشوائياً.

لم تحدُث النكسة التي بشّروا بها. ولكن من الواضِح الآن أنّ الجميع يتحضّر لمعرَكة القادِمة. "والمُلك بعد ابنُ أبي لَيْلى لِمَنْ غَلَبا". فالحرب حتمية. اكتفت إيران بنفسِها. ودولياً عرِف محور روسيا-الصين، رغم حشمته ودماثته، أنّ إيران طليعَته. وستكون بالنسبة له ما كانته أفغانستان بالنسبة للسوفيات: حرب استنزافٍ طويلة لا تتحمّلها الإمبراطورية. فضّل الجميع الواقعية على الاستنزاف. عسكرياً فشلت فيها إسرائيل في مشروع المرحلة الأخيرة من لجم الطوفان (أوّلاً إعادة غزّة إلى العصر الحجري؛ وثانياً تقويض حزب الله، أو تحجيمه؛ وثالثاً، خوض الحرب على أرضية إيران). ووجدت نفسها في استنزاف مالي وأزمة ديون وتعمير وحرج عسكري وخاصِرة مكشوفة. كان كلّه يتعلّق بمحاولة نتياهو جرّ أميركا إلى حرب شرق أوسطية. نجح في أخذ الوسائل من بايدن والانخراط المباشر من ترامب. ولكن حربه لم تكن حرب الوطنوية الأميركية، التي أصبَحت مستعِدة لإعلاء أميركا على إسرائيل. وقّع نتياهو على إنهاء العداوات. وكالخميني 1988 أحسّ أنّ ”النار تخرُج من خشمه“.

ولكن غزّة لا بواكي لها. إسرائيل تستخدِم فيها الجوع سلاحاً. وتُقتّل الناس فيها لمجرّد أنّهم غرثى. وقد أعيدت المدينة إلى الإبادات التوراتية. دولياً، تلاحَم العالم مع فلسطين. وصارت فلسطين قلب الغرب. وفي كلّ كبريات الصحائف الكبرى كان التبّرم والتشفي من إسرائيل سائداً. فالعالم احتقَر الإباديين الذين طالما تمتّعوا بحقّ الغفران. أعتقِد أنّها ستكون محطّة في تاريخ العالم. رغم المكاسب التاريخية لإسرائيل 2024-2025 فقد علِم العالَم أنّها مشروع اصطناعي وهش. سقطت أسطورة القبّة الحديدية. وشوهِدت إسرائيل العسكرية تتترّس بين المدَن وتتخِذ البشر دروعاً (عن طريق منعِهم من السفر) وتقوم بأكبر تعتيم إعلامي في القرن على خسائرها العسكرية.

حاولتُ تحليل الوقائع بعيداً عن هبد القنوات وخمريات المحلّلين و"الخبراء الاستراتيجيين"، التي تُعمي عن الحقيقة أكثر مّا تُخبِر بها، وبعيداً عن الانهزامية الافتراضية، التي تُدمّر الإمكانيات الحضارية وتردّنا إلى الاستكانة، التي دمرتنا عبر القرون. حاولت أن لا أفصِل عن الفهم والمبدأ. فالأوّل يُعطيني صورة تاريخية للواقِع. والثاني يُعطيني صورة اخلاقية له. هذه هي أدواتي التي أفكّر بها. والآن "ألا فإنّي راحِل فارتحِلوا". وسأبقى على إكس (تويتر سابقاً) حيث يوجد ملِكٌ يُظلم عندَه أحد. ولا تنسوا غزّة، مأساة القرن.