إعلانات

مراثي الوالدة عيش بنت امد بن أحمد بن الحمدْ  (7)

اثنين, 05/05/2025 - 01:38

من صفحة الباحث يعقوب بن اليدالي

 

7.مرثية الدكتور الأديب محمد فال بن محمد محمود

أبدى الأديب محمد فال بن زياد - وهو شاب يافع-  اهتماما بالغا بعلوم اللغة العربية وولعا بحفظ معلقات الشعر العربي، فاستظهر دواوين الشعراء الستة، وانكب على شعر أبي محسد فحفظه وتمثله، بله شعر الطائييْن، والأعمييْن، والأعشييْن.. وساعده على ذلك تميز محيطه الضيق حيث تربى في دولة أهل زياد.

بعد انتقال محمد فال إلى مدينة روصو لمواصلة دراسته في المرحلة الثانوية، عمق معارفه في علوم الآلة على القاضي أحمد سالم بن سيد محمد الذي يعتبر بحق إماما في اللغة العربية، كما أخذ عنه الكثير من أراجيز العرب،  ومن وصايا العرب المشهورة "رووا أبناءكم الرجز فإنه يهرت أشداقهم" 
وانهرات الأشداق يعني اتساعها يقول الشاعر:

منهرتِ الأشداق غضب مؤكل
في الآهلين واخترام السُّبل
 
وفي هذا السياق فقد حفظ محمدفال عشرات الأراجيز للأغلب العجلي الصحابي، وأبي النجم، والعجاج وابنه رؤبة، والزفيان السعدي وذي الرمة، وخلف الأحمر ونحوهم.

محمد فال شاعر مطبوع له نفس شعري رحب، لا يضيق عن المعاني ولا يعجز عن التصوير يتقلب في فنون القول كما يتقلب الغصن في مهب النسيم، وتدخل معانيه القلوب دون استئذان.

تعرفت على شعر محمد فال وأنا غض الإهاب، فغزله رقيق، وإخوانياته طريفة، ورثاؤه يدمي القلوب.

 شعر محمد فال كالوشي الموشى، سلس الانقياد، طيع الألفاظ، يمتاح من مخزون لغوي ثر، ويجيد التصرف في المعاني القديمة ويكسوها حللا من الجدة والطرافة فتخال بيانه سحرا، ومعانيه دررا، وألفاظه عقودا منضودة. 

محمد فال باحث جاد يبحث ويجد حضرت له مرة محاضرة في مقر اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين نسف فيها مسلمة أجمع عليها نقاد الشعر العربي،  مؤداها عدم وجود علاقة سببية بين المقدمات الطللية للمعلقات والأغراض التي أنشئت من أجلها القصائد، مسلطا الضوء على معلقة النابغة الذبياني كنموذج لفرضيته، وصال وجال واستنطق وأحال إلى  المراجع التاريخية فجاء بالعجب العجاب ووضع الهناء مواضع النقب ، فرأيت الرجال كأن على رؤوسهم الطير مشدوهون يستمعون لباحث لا يجتر ولا يكرر ولا يلقي حديثا معادا كما يكرر الأساتذة مذكراتهم كل عام.

قلت لبعض الحاضرين ذلك اليوم إن محمد فال أخذت وقته العلوم التجريبية ولو ألقى كلكله في بداية عمره على اللغة والأدب لما كان في الوطن اليوم من يفري فريه.

ابن خالتي محمدفال زاهد خامل لا يهمه الذكر  والظهور ولا يستهويه التلميع و لا البهرجة، فلم يطبع له ديوان رغم أنه كتب الشعر وهو لما يتجاوز عشرا من سنيه، ولم تنشر له دراسة علمية محكمة، رغم جودة وجدة مواضيعه البحثية، ولم يتبوأ منصبا مرموقا في هيئات اتحاد الأدباء والكتاب رغم أن عضويته تعود لعشرات السنين.

أحرص دائما عندما أزور المذرذرة في العطلة الصيفية على أن أسمر مع الدكتور محمد فال في بيته العامر ونتجاذب أطراف أحاديث ماتع يأخذ الأدب والشعر واجعيفني أهل إكيد و إشاراتهم ومبهمات ثقافتهم نصيب الأسد منها،  كما يحضر فيها تفسير القرآن وإبراز النكت واللطائف التي في السور  والحق والحق أقول إن ذلك مجال محمد فال الذي لا يبارى فيه ألاهو جايبه من لخل.

من مظاهر تواضع الدكتور محمد فال ووطيه اعل النفس أنه خص مرثيتي للشيخ بن احمادَ رحمه الله بمقالة نقدية نشرها عبر صفحته في الفيسبوك، أبرز من خلالها كوامن النص وبين ما بين سطوره وأخرج منه معاني لم أكن أقصدها...فقلت له إنني لو لم أقرأ اسمي في المقالة لظننت أنه يتكلم عن شخص آخر.

كان معنا محمد فال في المستشفى عائدا، وكان معنا عبر الهاتف ونحن في المغرب مستشفيا، وكان معنا في أيام التعزية مستقبلا ومواسيا.

وفيما يلي نص مرثية الدكتور محمد فال بالصوت والصورة:  

إلى الخلد في الفردوس في الملإ الأعلى
ومقعد صدق قد سما في العلا فضلا 

ورحمة رب منعم     متفضل 
سمت عيش للمولى مهذبة فضلى 

حصان رزان منبت  العز نبتها
بأصل وفرع وطدت منهما رحلا 

أإخوتنا صبرا ففي  الصبر جنة
و جنة أجر دمتم   للعلى أهلا

فلا  زلتم نبراس علم و سودد 
ينير سناه الدين و الصدق و العدلا

ووقيتم مما يخاف وعمنا 
و إياكم لطف به نبلغ السؤلا 

بجاه إمام الفضل دامت مربة 
عليه صلاة تمطر القرب والوصلا.