
أخطأ الذين قالوا إن التاريخ لا يعود بالأحداث ذاتها. فالتاريخ يعيد نفسه و يعيد أحداثه. قد يصح القول إن التاريخ لا يعود بذات الأحداث من باب تغير مكان الأحداث و زمانها... فالتاريخ لا يعود و لا تعود أحداثه في ذات اليوم و لا في ذات الموقع بالضرورة؛ لكنه قد يعيد أحداثه و يعيد مصائبها في وقت و مكان و ضحايا آخرين. و التاريخ أيضا يعيد الاحتقار بمن لا يعتبرون بأحداثه... فقد استنسخ التاريخ نفسه و مآسيه، من نكبة مدن إقليم الأندلس، في مجازر فلسطين ، و أعادها في مذبحة زنجبار الرهيبة ... و مصائب العراق!
تذكر بعض المصادر أن مذبحة زنجبار طالت في يوم واحد عشرين ألف رجل و إمرأة و طفل... و أعدادا كبيرة من المفقودين ؛ فضلا عن أشكال فاقت قدرات الخيال من التعذيب و اغتصاب النساء و الأطفال.
كان الضحايا عربا جميعا و كان القتلة جيرانا أفارقة امتزج بهم العرب لقرون، مصاهرة و مساكنة. كل شيء كان قابلا للتخيل سوى أن يقتل ذلك الجار الإفريقي جاره العربي و الصديق الإفريقي صديقه العربي بتلك الصورة البشعة الفجائية بالنسبة لعرب زنجبار ، الذين غفلوا ، بالانغماس في شهواتهم و ملذاتهم، عما غرسه البريطانيون و غذوه على مدى عقود من أحقاد و كراهية دفينة في قلوب الأفارقة ، من حولهم، ضد الجنس العربي.
كانت الفاجعة من تخطيط و تمويل الانكليز و بتنفيذ أدوات من حزب أفرو- شيرازي و حزب الأمة الإفريقيين... و بدأت المحنة أولما بدأت بحملات التشويه للعرب و التحريض عليهم... و ضخ الشائعات و الأكاذيب و التنقيص من تاريخهم و من دورهم... حتى حملوهم خطيئة أكل شجرة الخلد.. و كان العرب غير مدركين لعمق المؤامرة و تعدد الفاعلين فيها... حتى داهمهم الموت من كل مكان!
و برغم تلك المأساة الإنسانية و بشاعة تنفيذها و ضخامة أعداد ضحاياها ، و قرب حدوثها، إلا أنها بقيت منسية من سجل اعتبارات التاريخ ؛ فلا يكاد يتذكرها أحد، حتى من قبل أحفاد ضحاياها، الذين حملهم حسن الحظ إلى الوجود في عمان لحظة المذبحة،... فعرب زنجبار بادوا كافة في لحظة واحدة، بتسميم الأطعمة و الرصاص المسكوب في الشوارع على أيدي القتلة،... فنسيهم التاريخ! فالناس يعرفون دولة تانزانيا ( تانجنيقا + زنجبار ) التي حلت محل سلطنة زنجبار العربية ، لكن كثيرا منهم لا يعرفون كيف و لا متى تكونت هذه الدولة، و لا بأي ثمن !
إن من قصص تلك المذبحة المروعة أنه عندما انفجرت الأحداث ، كان عشرات من تلاميذ القرآن و علوم الشرع الإسلامي العرب يفرون ، مذعورين، من إحدى مدارسهم بحثا عن ملاذ آمن يختبئون فيه من القتل، فصادفوا أحد مدرسيهم من الأفارقة يسمى محسن شيرازي، بحسب الروايات، في الشارع فأوهمهم بأنه سيؤويهم في مكان آمن ، فصدقوه، و لم يكن ذلك المكان الآمن سوى تنور أرضي يستخدمه العامة في تجفيف ثمار النراجيل... و حصل ما لا يمكن تصور بشاعته: فعندما نزل الأطفال إلى قعر التنور ، ما كان من المعلم محسن شيرازي إلا أن رفع سلم التنور و أخذ يسكب داخله وقودا ثم ألقى على الوقود و الأطفال عود ثقاب مشتعل ... دون أي شفقة تجاه صراخ تلاميذته و توسلاتهم... فاحتضن ذلك التنور تلك الأجساد الطرية البريئة و الأرواح الطيبة التي تحولت رمادا ، كما اختزل أبشع أنواع الغدر و اللاإنسانية! لم يكن أعضاء حزبي آفرو - شيرازي و الأمة ينقمون شيئا من عرب زنجبار ... و لكن الإنكليز نجحوا في تعبئة قلوبهم بالكراهية السوداء فأعموا بصائرهم و أماتوا الإنسانية في قلوبهم ... فقتلوا إخوانهم و جيرانهم بأفظع أسلوب ، تصديقا لأوهام تحولت في قلوبهم، بترديد الكذب، إلى حقائق لا يرقى إليها شك!!
و الأكثر إيلاما أن الأفارقة في تانزانيا يحتفلون سنويا بذكرى إبادة عرب زنجبار ... كما يحتفي الصهاينة سنويا باحتلال فلسطين و تهجير و قتل شعبها!!
