إعلانات

ثمن تحدي الجزائر/ الخليل ولد اجدود

جمعة, 18/04/2025 - 20:59

 

 

 

غداة الانقلاب الأخير في باماكو، سافرت من المغرب إلى مالي في مهمة عاجلة، حيث قابلت زعيم الانقلاب – أو واجهته – العقيد أسيمي غويتا، وقادة المنظمات والأحزاب التي باركت التغيير غير الدستوري في هرم السلطة. وخلال أيام، فوجئت بعلم روسيا وصور بوتين تنتشر وتُوزّع في كل مكان، في المظاهرات والمهرجانات الشعبية، بالتزامن مع صعود خطاب معادٍ لفرنسا والغرب.

ولكي لا أطيل، فقد حدث كل ما تابعتموه من تطورات متسارعة؛ خرجت القوات الفرنسية، وتوغّل الروس غربا وشمالا، حتى وصلوا إلى الحدود الموريتانية والجزائرية.

استند المجلس العسكري الحاكم في مالي إلى دعم دبلوماسي وعسكري روسي في مواجهته مع فرنسا والغرب. وبما أن جميع قراراته ومواقفه وسياساته حتى الآن تكتيكية وليست استراتيجية، فإن أولوياته لا تتجاوز تكريس سلطته، في مواجهة “عدو خارجي”، والخروج من الأزمة السياسية والفوضى الأمنية، وتوفير الرواتب وبعض المواد الأساسية.

الآن، تريد الطغمة العسكرية أن تستبدل فرنسا بالجزائر، عدوها الجديد؛ كان وضع خطوطاً حمراء لمنع قوات المرتزقة الروسية “فاغنر”، وميليشيات الدونزو “الوثنية”، وقوات مالية نظامية، من إبادة العرب والطوارق في الشمال، على غرار ما حدث مع قبائل "الفلان "من تطهير عرقي في وسط البلاد.

انقلابيو مالي تجاوزوا خطوط جنرالات الجزائر الحمراء، وقاموا بتحديهم بالطائرات المسيّرة التركية، وقصفوا أهدافاً على الحدود، وكانوا على وشك تصفية قيادات كبيرة من الجماعات المسلحة، بشقّيها التحرري والجهادي.

وصل العسكريون في باماكو لنقطة اللاعودة في علاقتهم بالجزائر، وبلغ التوتر ذروته بتقديم شكوى لدى الأمم المتحدة، واتهامها علناً برعاية الإرهاب في الساحل الإفريقي وحركات التمرد في مالي، تشهير ستبقى ندوبه، لسنوات وسيكون صعبا على الجزائريين تجاوزه . 

تسيير الخلافات مع الجزائر يحتاج إلى الحكمة ًوالتريث في اتخاذ القرارات وردود الفعل؛ فجميع جيران الجزائر واجهوا في فترات مختلفة مشاكل معها، بيد أنه من التهور بمكان احتقار حكومة أمة عظيمة، واستفزاز جنرالات يجلسون على أكبر احتياطي من الغاز في أفريقيا، ومن العملة الصعبة في الخارج، ويمتلكون ترسانة عسكرية ضخمة، وأدوات فعالة في مواقع جيواستراتيجية . 

البلد الوحيد في هذه المنطقة القادر على بناء توازن عسكري واستراتيجي مع الجزائر هو المغرب؛ ولذلك، ركزت التوجهات الدبلوماسية لحكومات دول المغرب العربي والساحل الأفريقي والدول الأوربية المتوسطية على تطوير وتقوية علاقاتها مع المملكة المغربية، دون أن تُغضب الجزائر، وحاولت إقامة علاقات متوازنة مع القوتين الإقليميتين، وفيما فشلت حكومتا تونس وغرب ليبيا، استطاع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يصل بعلاقات بلاده مع البلدين الشقيقين إلى أعلى مستوى من التعاون الاقتصادي والتجاري والتنسيق السياسي والدبلوماسي والأمني في دينامية لم تعرفها هذه العلاقات منذ 2008 .

أسيمي غويتا وزملاؤه يعتقدون أن قوات شبه نظامية ومارقة، مثل “فاغنر”، أو ما أصبح يُعرف بـ”الفيلق الإفريقي”، يمكن أن تحميهم؛ وفي الواقع، مصالح روسيا الأمنية والعسكرية والمالية مع الجزائر أكبر بكثير من فاتورة العشرة ملايين يورو شهرياً، التي تم الاتفاق عليها صيف 2020 مقابل نقل وحدات من مقاتليها الدمويين في أفريقيا الوسطى إلى مالي.

وعندما قال العسكريون إنهم عاجزون، بسبب العقوبات والإفلاس، عن تسديد هذه الفاتورة، جاء الروس بمعدات حديثة للتنقيب عن الذهب والمعادن النادرة، واستولوا على مناجم وأراضٍ شاسعة، ونهبوا بشكل منهجي ثروات جيراننا وإخوتنا الماليين، المسالمين، والطيبين، ومنعوا التنقيب الأهلي على سكان الشمال البائس رغم ثرواته الطبيعية الهائلة .

الروس لا يُعوَّل عليهم، ومثلما خذلوا الأسد، والقذافي، وصدام، وغيرهم، سيتخلون عن الحكومات المستبدة في أفريقيا، بعد الإتيان على الأخضر واليابس.

إنهم في هذا النهج لا يختلفون عن غيرهم؛ فالعلاقات بين الدول تحددها المصالح الجوهرية والمتغيرات. كان بن علي حليفاً للغرب في مواجهة ما قيل إنه صعود للحركات الإسلامية في دول جنوب المتوسط، وقد أمضى في الرابع عشر من يناير 2011 ساعاتٍ فوق حوض المتوسط، وهو يطلب السماح لطائرته بالهبوط في فرنسا أو إيطاليا أو حتى مالطا دون جدوى.