إعلانات

الذكرى المئوية الثانية لـ"دَين استقلال" هايتي... "ظلم تاريخي"

خميس, 17/04/2025 - 17:46

قبل مئتي عام، في 17 نيسان/أبريل 1825، وقّع الملك شارل العاشر مرسوما يعترف فيه باستقلال هايتي، مقابل تعويض هائل قدره 150 مليون فرنك، يُدفع إلى مالكي العبيد السابقين. وبحسب العديد من المؤرخين، فإن "دين الاستقلال" هذاعطل بشكل دائم مسار تنمية الدولة الكاريبية الفتية. واليوم، وبعد مرور قرنين على هذا القرار، ترتفع العديد من الأصوات للمطالبة بتعويضات تاريخية.

 

 

________

 

 

ستيفاني ترويار

طباعة من تصميم جان شارل ديفيلي تظهر البارون دي ماكاو وهو يسلم الرئيس الهايتي جان بيير بوير مرسوم شارل العاشر الذي يطالب بدفع 150 مليون فرنك ذهبي مقابل الاعتراف باستقلال هايتي. © BNF / ويكيميديا

في 17 نيسان/أبريل 1825، وقع الملك شارل العاشر على وثيقة ستحدد مصير دولة هايتي الفتية لقرون عدة. بعد 21 عاما من انتهاء الثورة التي قادها العبيد في سان دومينغ، اعترفت فرنسا أخيرا باستقلال هايتي، لكن بثمن باهظ وشروط صارمة.

ففي مرسوم يُعرف اليوم باسم "دَين الاستقلال"، فرضت فرنسا على مستعمرتها السابقة شروطا تجارية تفضيلية لصالحها، من خلال "رسوم جمركية مخفضة إلى النصف"، وطالبت هايتي بدفع مبلغ ضخم قدره 150 مليون فرنك كتعويض لـ"المستعمرين السابقين الذين يطالبون بتعويضات".

يقول فريديريك توماس، الدكتور في العلوم السياسية والباحث في مركز الدراسات الثلاثية في لوفان لا نوف ببلجيكا: "إنه بمثابة إنذار نهائي ونص مختصر، إذ لا يتضمن سوى ثلاثة بنود فقط". ويضيف: "فرنسا منحت استقلالا كان قد انتُزع بالفعل بالقوة عام 1804، لكنها اشترطت بالمقابل أن تمنحها هايتي امتيازا تجاريا وأن تدفع تعويضات ضخمة للمستعمرين السابقين. إنها طريقة لإعادة كتابة التاريخ من خلال استعادة زمام المبادرة".

 

"الاستعمار الجديد عبر الدَّين"

طيلة سنوات، رفضت المملكة الفرنسية الاعتراف بانتصار العبيد السابقين في هايتي. فقد كان هذا البلد الناشئ معزولا تماما عن الساحة الدولية، كما يوضح فريديريك توماس: "في عالم لا يزال إلى حد كبير استعماريا ويقوم على العبودية، كان من غير المعقول أن يتمكن عبيد سابقون من تحرير أنفسهم وهزيمة أقوى قوة عسكرية في العالم آنذاك. ولهذا لم يرغب أي بلد في الاعتراف بهايتي قبل أن تقوم فرنسا بذلك".

اقرأ أيضابعد مئتي عام على استقلالها.. هايتي تحت سيطرة العصابات

وبعد محاولات فاشلة لإعادة النظام الاستعماري القائم على العبودية، قررت الملكية الفرنسية أخيرا منح الاستقلال لهايتي، لكن بنوايا اقتصادية خفية. يقول فريديريك توماس: "بدلا من استعمار هايتي من جديد، تقوم فرنسا باستعمارها عبر الديون".

المبلغ الذي طالبت به فرنسا، والذي يُفترض أنه يعادل 10٪ من قيمة جميع ممتلكات المستعمرين السابقين الذين جُردوا منها عام 1804، كان ضخما للغاية. ووفقا لما درسته المؤرخة غوستي-كلارا غايار-بورشيه من جامعة هايتي الحكومية، فإن هذا المبلغ "كان يعادل أكثر من عشر سنوات من إجمالي الإيرادات الضريبية لهايتي في عام 1825".

ولإجبار الحكومة الهايتية على الخضوع لهذه الإملاءات، لجأت فرنسا إلى التهديد العسكري. ففي تموز/يوليو 1825، أرسلت أسطولا من أربع عشرة سفينة إلى سواحل بورت أو برنس، مهددة بفرض حصار بحري. وعندها، اضطر الرئيس الهايتي "مدى الحياة" جان-بيير بوير إلى توقيع مرسوم شارل العاشر.

وللتمكن من دفع هذا المبلغ الهائل، اضطرت هايتي إلى الاقتراض من بنوك فرنسية بفوائد مجحفة. وهذا ما يُعرف اليوم بـ"الدَّين المزدوج" لهايتي. يوضح فريديريك توماس: "هذه القروض المجحفة أضيفت لاحقا إلى إنشاء البنك الوطني لهايتي، الذي ستخضع إدارته لسيطرة فرنسية".

عقبة أمام التنمية

في نهاية المطاف، وبحسب المؤرخة غوستي-كلارا غايار-بورشيه، تم تسديد "دين الاستقلال" عام 1878، فيما تم سداد القرض الخارجي في عام 1922 خلال فترة الاحتلال الأمريكي. وترى المؤرخة أن "هذا الدين الاستعماري ساهم، من خلال الآليات المالية المفروضة، في عرقلة تنمية الدولة اليافعة المستقلة بشكل دائم".

وقد خلصت صحيفة نيويورك تايمز إلى النتيجة نفسها في تحقيق نشرته عام 2022. فوفقا لحساباتها، دفعت هايتي ما يعادل "حوالي 560 مليون دولار بالقيمة الحالية". إلا أن هذا المبلغ لا يعكس الخسارة الاقتصادية الفعلية التي تكبدها البلد. إذ توضح الصحيفة الأمريكية: "لو بقي هذا المبلغ في الاقتصاد الهايتي واستُثمر فيه على مدى القرنين الماضيين بنفس معدل النمو الحالي – بدل أن يُحول إلى فرنسا من دون أي مقابل من سلع أو خدمات – لكانت هايتي قد جنت ما يصل إلى 21 مليار دولار".

ويؤكد التقرير، مستندا إلى دراسة دولية أعدها أكاديميون عام 2021، أن مصير هايتي كان من الممكن أن يكون مختلفا تماما لولا مرسوم 17 نيسان/أبريل 1825: "لو لم تُجبر هايتي على تعويض مستعبديها السابقين، لكان دخل الفرد فيها عام 2018 أعلى بنحو ست مرات، ومقاربا لما هو عليه في جمهورية الدومينيكان المجاورة".

رؤية فريديريك توماس توافق هذه الخلاصات. فهو يعتبر أيضا أن عام 1825 يمثل بداية "تدخل ممنهج في شؤون هايتي". ويضيف: "بعد مرور مئتي عام، لا نزال ضمن نفس المنظومة. الجهات الدولية لا تكف عن التدخل في البلاد، من خلال ترتيبات تُعقد مع الأوليغارشية، دائماً على حساب السكان"، في إشارة إلى الأزمات المتعددة التي شهدتها المستعمرة السابقة، بما في ذلك الزلزال المدمر الذي ضربها عام 2010.

ولا تزال آثار هذا "الدين المزدوج" تلقي بظلالها على هايتي، أفقر دولة في منطقة الكاريبي، حيث تتفاقم الأزمة الإنسانية باستمرار، وتبقى الأوضاع المؤسسية هشة للغاية. ووفقا للأمم المتحدة، فإن ستة ملايين شخص، أي نحو نصف عدد السكان، بحاجة إلى مساعدات ويعانون من انعدام أمن غذائي حاد.

اعتذارات ولجنة تحقيق؟

بمناسبة الذكرى المئوية الثانية للاعتراف باستقلال هايتي، من المنتظر أن يعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس 17 نيسان/أبريل، عن "مبادرات"، بحسب ما صرح به وزير الخارجية جان نويل بارو.

وقال الوزير أمام مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي "رئيس الجمهورية أكد أن ماضينا المشترك لا يجب أن يُنسى، وأن من مسؤولية فرنسا إحياء ذاكرة العبودية في كامل التراب الوطني، كما في هايتي"، من دون أن يُفصح عن المزيد، وذلك في وقت كان فيه الرئيس الهايتي قد تحدث في كانون الثاني/ يناير الماضي عن "استرجاع" تعويض الاستقلال من باريس.

ومع اقتراب هذا التاريخ الرمزي، ارتفعت أصوات تطالب بإجراءات ملموسة. فخلال مقابلة مع قناة فرانس24، دعت مونيك كليسكا، الموظفة السابقة في الأمم المتحدة والناشطة من أجل الديمقراطية في هايتي، الرئيس الفرنسي إلى الاعتراف بأن "ما حدث هو ظلم تاريخي" فيما يتعلق بتعويض الاستقلال.

وتقترح الكاتبة والصحافية تشكيل لجنة دولية مشتركة بين هايتي وفرنسا لدراسة الوضع وتقييم إمكانية تقديم تعويضات. وتؤكد: "بإمكان إيمانويل ماكرون أن يقوم بعمل نبيل، قد يُعتبر من قبل الشعب الفرنسي عملا بطوليا".

وفي مقال نُشر في 15 نيسان/أبريل على موقع صحيفة ليبيراسيون، ذكّر المؤرخون والمؤرخات سابين كادو، مايكل كواس، وماري لويس بأن "الهايتيين اضطروا إلى الاقتراض لتعويض من استعبودهم سابقا". ومن هذا المنطلق يدعون إلى إنشاء "لجنة فرنسية تتولى النظر في مسألة استرجاع دين عام 1825 والتعويضات المرتبطة بفترة العبودية التي سبقته.

من جهته، يبدي فريديريك توماس تخوفه من أن يكتفي الرئيس إيمانويل ماكرون بـ"إعلانات رمزية". فبالنسبة لهذا المتخصص في الشأن الهايتي، لا بد من سياسة تعويض حقيقية، ولكن أيضا من تغيير النظرة إلى هايتي بعد مرور قرنين على الاعتراف باستقلالها. ويقول: "يجب التوقف عن تصوير هايتي كضحية عاجزة أمام الكوارث الطبيعية أو كضحية لبربرية الفوضى التي تنشرها العصابات المسلحة. فهي أيضا شعب لا يتوقف عن مقاومة المصائب التي تضربه. ويجب قبل كل شيء الاعتراف بمكانة هايتي في التاريخ، والاعتراف أيضا بمسؤولية فرنسا في الصعوبات التي تعاني منها البلاد".

النص الأصلي لستيفاني ترويار